كثير من المغاربة سمعوا باسم تالسينت في بداية الألفية الثالثة بعدما أطلقت شركة للتنقيب عن البترول كذبة عن اكتشافات مهمة بالمنطقة..

 كبر الحلم حينها واعتقد الناس وأهل بلدة تالسينت بالخصوص أن غمة الأيام الخوالي قد انزاحت.. لكن انقشعت الحقيقة ولم يظهر للبترول أثر وبقيت تالسينت على حالها تعيش التهميش والفقر وقساوة الطبيعة.

تالسينت تنتمي إلى الجنوب الشرقي جغرافيا وإلى جهة الشرق إداريا وتضيع بين المعطيات الجغرافية والإدارية. معظم المصالح الإدارية والاجتماعية تبعد عن البلدة بعشرات الكيلومترات والمئات في بعض الأحيان..

طبيعة قاسية يزيدها الجفاف الدوري إيلاما، لكن الناس من طينة خاصة، طينة أبناء الجنوب بطيبوبتهم وتحديهم المتواصل من أجل العيش، وعصاميتهم المستمرة من أجل الارتقاء..

رضوان، أستاذ لمادة الفلسفة بثانوية الخوارزمي، من طينة أبناء المنطقة يساوره حلم تحقيق المعرفة وسهولة الولوج لها..

قبل عامين أنشأ الأستاذ رضوان مكتبة بإمكانياته الخاصة ووضعها رهن إشارة التلاميذ.. المكتبة بلغت حوالي 220 كتابا جمعها رضوان بشكل شخصي، وتفاعل التلاميذ مع الفكرة فانهالوا بنهم على القراءة من جوع المعرفة ومن إيمان بأن الجهل هو العدو الأول والقضاء عليه سبيل لتطوير البلدة..

يوم الإثنين الماضي فوجئ الأستاذ رضوان ومعه تلاميذ الثانوية وأطرها بجريمة ظلامية ذهب ضحيتها حوالي 220 كتابا في الأدب والفلسفة والفكر… الحكاية صادمة والجرم مشهود والجناة لم يعرفوا لحد الساعة..

الجريمة اقترفت في غفلة من الجميع حيث تسلل المجرمون إلى الحجرة التي تحوي الكتب، بعدما اقتلعوا نافذة حديدية، وحملوا ما في القاعة من كتب ومجموعة من اللوحات الفنية والصور، ولم يتركوا سوى كتاب تحت عنوان صدر الإسلام، وخلف سور الثانوية أحرقوا الكتب وانسحبوا دون أن يراهم أحد..

الأستاذ المشرف على المكتبة وصاحبها أصلا غادر المؤسسة يوم الجمعة مساء وترك الأمور عادية، لكنه فوجئ يوم الإثنين بالجريمة التي تم إخبار السلطات الأمنية بها وما زالت تباشر التحقيقات لمعرفة الجاني أو الجناة..

الجريمة الظلامية، التي تذكرنا بمحنة الكتاب والفكر في زمان بعيد كان فيها الظلام يحرق الكتب، أبادت كتبا جمعها أستاذ الفلسفة بمبادرة شخصية ووضعها رهن إشارة التلاميذ الذين تفاعلوا مع القراءة بشكل جيد وبدأت حركة قراءة جميلة في بلدة معروف عن أبنائها حب التحصيل والتعلم…

أستاذ الفلسفة السيد رضوان اجتهد في تكوين المكتبة ومنذ عامين وهو ينشؤها بجهد وإمكانيات شخصية، وبشغف محبي الحكمة. لكن الجريمة ستصدمه، كما صدمت أبناء تالسينت الذين أطلقوا مبادرة وطنية لإعادة بناء المكتبة وعملية جمع الكتب تسير بشكل حماسي وتنتظر التفاعل من كل الغيورين على القراءة…

غير أن ما وقع يسائل كل الأطراف خصوصا وأن الجريمة يمكن أن تكون مرتبطة بقوى ظلامية كون المستهدف هو فعل القراءة وهي مادة الفلسفة. قد تكون الجريمة مرتبطة بالتطرف الديني كما قد تكون لها دوافع أخرى، لكن لا يمكن إلا أن تكون ظلاما حقيقيًا.

مصالح الأمن تقوم بتحرياتها والأكيد أنها ستصل إلى الحقيقة.

*حكيم بلمداحي -كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *