le12.ma

 

أكد محمد عبد النباوي، رئيس النيابة العامة، أن الأخيرة تضع مكافحة جريمة الاتجار بالبشر في صلب اهتمامات السياسة الجنائية، حرصا منها على تنفيذ إرادة المشرّع المغربي، المتجلية في القانون المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، الذي يوفر إطارا ملائما لزجر المتجرين بالبشر من جهة، ويؤمّن حماية قانونية لضحايا هذه الجريمة البشعة، من جهة أخرى.

وتابع رئيس النيابة العامة، في كلمة ألقاها في اللقاء التواصلي حول الاتجار بالبشر، اليوم الاثنين في مقر رئاسة النيابة العامة، أنه بالنظر إلى الطابع المختلف لهذه الجريمة عن باقي الجرائم، وتَعقّد أركانها وتشابهها مع جرائم أخرى تشترك معها في بعض الخاصيات، ولا سيما الطابع العابر للحدود الوطنية، والأساليب المتطورة التي تستعملها العصابات الإجرامية المنظمة في ارتكابها، والاحتياطات الدقيقة المستعملة من قبل تلك العصابات لتلافي اكتشافها، فإن العدالة الجنائية مدعوة إلى اتخاذ كل التدابير الممكنة لمكافحة الاتجار بالبشر، خصوصا في بلدنا الذي يستقطب حركية كبيرة للمهاجرين، سواء الراغبين في العبور نحو أوروبا، أو الذين يستقرون في المملكة”.

واستطرد رئيس النيابة العامة أنه في كلا الحالتين، فإن ظروف المهاجرين الاقتصادية والاجتماعية تجعلهم عرضة سهلة ليصبحوا ضحايا للاتجار في البشر، سواء من شبكات الاتجار في البشر، عن طريق الاستغلال الجنسي أو الجسدي، أو من الوسطاء ووكالات الوساطة في الخدمة في المنازل، التي تستورد العمال من بعض الدول الأجنبية، إضافة إلى استقطاب بعض المواطنات المغربيات لتهجيرهن نحو بعض الدول الأجنبية من أجل العمل، ثم سرعان ما يجدن أنفسهن ضحايا لشبكات الاتجار بالبشر.

وأكد المتحدث ذاته أن التحدي الأساسي الذي يواجه أنظمة العدالة الجنائية في العالم بالنسبة لجرائم الاتجار بالبشر يكمن في صعوبة التعرف على الضحايا، باعتبارهم الخيط الأساسي للكشف عن المتجرين والإيقاع بهم. ولهذه الأسباب، يقول رئيس النيابة العامة، نص القانون رقم 27.14 في المادة 52.5.1 على وجوب التعرف فورا على ضحية الاتجار بالبشر، وأتاح إمكانية منع المشتبه فيهم أو المتهمين من الاتصال بها أو الاقتراب منها. غير أن هذه الإمكانات لا تتحقق، بحسب المتحدث ذاته، إلا بتبليغ الضحايا عما يتعرضون له من استغلال، وهي مبادرة تعترضها عادة عدة عراقيل، منها ما يتعلق بجهل الضحايا أنفسهم، لوضعيتهم كضحايا للاتجار بالبشر، أو لاعتقادهم بأنهم سيتعرضون للمتابعة عن الأفعال المخالفة للقانون التي تورطوا فيها في حالة إقدامهم على التبليغ، إضافة إلى خوفهم من المتاجرين بهم، خصوصا أنهم واقعون تحت سيطرتهم، ما يحول دون إقدامهم على التبليغ عن استغلالهم.

ووضح رئيس النيابة العامة أن ما يزيد تعقد هذه الأوضاع بالنسبة للضحايا ويسهّل الأمر في الوقت ذاته للمتاجرين أن الضحايا يكونون عادة من الفئات الهشة المتحدرة من مستوى اجتماعي وتعليمي متدنّ، يجهلون معه حقوقهم وواجباتهم، كما أن السيطرة التي يخضعون لها من المتاجرين فيهم تجعلهم في أوضاع نفسية تسلبهم القدرة على الاحتجاج أو التمنع، وبالتالي الإبلاغ.

وأشار رئيس النيابة العامة إلى أن مكافحة جريمة الاتجار بالبشر تطرح على السياسة الجنائية تحديات استثنائية تدعو إلى تهيئ سلطات البحث والتحري للتعرف على ضحايا هذه الجريمة، من جهة، كما تتطلب تشجيع الضحايا أنفسهم، وعامة الأشخاص في المجتمع على التبليغ عن هذه الجريمة، وتحسيسهم بخطورتها، وتعريفهم على أركانها والوسائل التي ترتكب بها وطمأنة الضحايا على وضعيتهم وعلى حمايتهم، من جهة أخرى.

وشدّد عبد النباوي على أن “التعريف بالجريمة وبأركانها وأساليبها وبأنواع الحماية المقررة لضحاياها بات حلقة ضرورية لكي تتمكن السياسة الجنائية من القيام بمهمتها الردعية في المجتمع، ولهذا السبب تطلق رئاسة النيابة العامة، ابتداء من اللحظة، حملة تواصلية مع الرأي العام للتحسيس بجريمة الاتجار بالبشر والتعريف بها، من أجل تحرير ضحايا هذه الجريمة من الخوف وتشجيعهم على تبليغ السلطات والتماس حمايتها”.

وأكد عبد النباوي أن “رئاسة النيابة العامة عازمة على بلورة وتنفيذ التوجيهات الملكية بالدفاع عن الحق العام والذود عنه وحماية النظام العام والعمل على صيانته، في ظل التمسك بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف، إسهاماً منها في تدعيم دولة الحق والقانون القائمة على مبادئ العدل والإنصاف والحكامة الجيدة، في إطار أحكام الدستور والقانون الوطنيين وفي احترام تام للمواثيق الدولية ولحقوق الإنسان”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *