عبد السلام رجواني

 

لا يكاد يمر موسم فلاحي، حين الحرث أو حين الحصاد، دون أن تعيش مداشر بني زروال، من “المشاع” إلى “بومعان”، ومن “البيبان” إلى “تايتفراح”، توترا بين السلطات المحلية والساكنة، بدعوى محاربة زراعة القنب الهندي، حسب السلطات، وبسبب “الحكرة” والابتزاز اللذين يمارَسان في حق المواطنين على نحو انتقائي وانتقامي من قبل بعض أعوان السلطة، في ما يرى أهل القبيلة. وأيا كانت الدوافع والأسباب، فإن علاقة السلطات، التي من صلب مهامها إشاعة الأمن والأمان بين الناس، بمواطني ومواطنات القبيلة ليست على ما يرام.

صحيح أن زراعة “العْشبة” آفة ابتُلي بها أهل بني زروال منذ بداية التسعينيات، في سياق سباق انتخابي محموم وأمام أعين السلطات، التي اختارت الصمت الذي يعني الرضا، لكنْ من الصحيح أيضا أن مزاولة الساكنة لذاك النشاط ثلاثةَ عقود متواصلة جعل عيشهم مرتبطا كل الارتباط بالعشبة اللعينة بعد أن تخلى الفلاحون عن الأنشطة الفلاحية التقليدية، من حبوب وأشجار مثمرة وتربية مواشٍ، ما أدى إلى تغير في نمط العيش وفي العلاقات الاجتماعية والقيم الثقافية، في اتجاه نمط استهلاكي هش وتفكك البنية الاجتماعية التقليدية وما تتأسس عليه من قيم التضامن العضوي وقيم الشهامة والإباء، التي جعلت قبائل بني زروال، عبر تاريخها، مهد المقاومة ضد الاستعمار والاستبداد.

لم تؤد زراعة القنب الهندي إلى تغيرات اجتماعية وقيمية فحسب، وإنما أسهمت في بروز “مافيوزيات” الانتخابات، ومن ثمة في اغتيال الوعي الوطني عند أهل بني زروال، التي كانت من قلاع الحركة الوطنية والتقدمية. ومن آفات زراعة الكيف إفقار الأرض والقضاء على المياه السطحية والعميقة وتدمير مقومات الإنتاج الفلاحي البسيط، والاعتماد الكلي على عائدات النبتة، إلى درجة أن الناس لا يقدرون على تصور حياتهم دونها، رغم وعيهم بمضارها ومخاطرها.

ولعل أكثر ما يعانيه أهل بني زروال بسبب النبتة البغيضة ما يتعرضون له من إذلال؛ ذلك أن جلهم اعتقلوا فعلا أو أنهم مبحوث عنهم من قبل الدرك، وحالة المبحوث عنهم أصعب من حالة القابعين ظلما في سجون “عين قادوس” و”القرية” وغيرهما. فالناس هناك يعيشون رعبا مستمرا، تحت رحمة أعوان سلطة ليسوا دوما نزهاء ومخبرين تحرّكهم الرغبة في الانتقام ممن عاكس مشيئتهم، فضلا عن شكايات كيدية لا معنى لها. إنه لَأمر سريالي يستعصي على الفهم أن يقطع رجال الدرك عشرات الكيلومترات وسط حقول الكيف الخضراء لحرق بستان هنا أو هناك. ومن العبث أن يعتقل فلاح ما وتُحجز بغاله من بين مئات الفلاحين يحرثون في الوقت نفسه على مرآى من الجميع. ومن العيب أن يقصد قائد “أولاد صالح” فلاحا صغيرا في دوار “الزاوية” دون الالتفات، وهو في الطريق، إلى فدادين الكيف على امتداد الطريق من مقر القيادة إلى مقصده.

إن الأخطر في الأمر هو أن يترسخ لدى أهل بني زروال والقبائل المجاورة من جهة الشمال شعور جماعي بـ”الحكرة” والغبن، فضلا عن عدم الإنصاف الذي عانت منه منذ الاستقلال. فالواقع الاقتصادي الاجتماعي في المنطقة تحت الصفر:

-بنيات تحتية ضعيفة للغاية، لا تتعدى في مجموع الجماعات مائة كيلومتر من الطرق الثلاثية المهترئة التي تتحول إلى صراط مستقيم كلما روت أمطار الرحمة بلاد التين والزيتون وحولت مداشرها النائية المعزولة إلى جزر بعيدة يعاني أغلبها من العطش في فصل الصيف. وفي هذا المجال بالذات وجبت الإشارة إلى تعثر مشروع تزويد الجماعات بالماء الشروب، مع العلم أن مد القنوات وبناء محطات الضخ تم منذ عشر سنوات وأن بعض السكان أدوا اشتراكات الربط؛ فكيف يعقل أن يتوقف مشروع بهذا الحجم دون مساءلة المسؤولين، في جماعات على مرمى حجر من أكبر سد في المغرب (سد الوحدة)؟

-وضع اقتصادي هش يتوقف على زراعة القنب الهندي وغلة الزيتون وأنشطة زواعية وحرفية ثانوية، فضلا عن تحويلات مالية من خارج المنطقة. وعليه فإن الدخل العام للموسم الفلاحي مرهون بالتساقطات المطرية في غياب أية أنشطة اقتصادية واعدة توفر فرصا للشغل. ومن المجحف ألا تستفيد جماعات مثل سيدي الحاج امحمد وسيدي يحيى وأودكة من مشاريع المغرب الأخضر، مع العلم بأن آخر مشروع عرفته المنطقة هو مشروع ديرو أواسط ستينيات القرن الماضي؛

-تدني الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة ورياضة. فدائرة غفساي،التي تضم 12 جماعة قروية، وبلغ عدد سكانها 154 ألفا و318 فرداً في 2004 حسب الإحصاء الرسمي للسكان والسكنى)، موزعين على351 دوارا، لا تتوفر إلا على مستشفى واحد ومراكز صحية قروية تعاني من خصاص فادح من المعدّات والأطر الطبية، وبالتالي من تدني الخدمات المؤدى عنها في أغلب الحالات. وفي مجال التعليم لا تزيد الثانويات التأهيلية عن واحدة (الإمام الشطيبي في غفساي -المركز) وإعداديات لا تتعدى عدد أصابع اليد. أما باقي التجهيزات، في مجال البريد والنقل العمومي ومرافق الشباب والثقافة، فهي في حكم الأحلام بعيدة المنال. فالدائرة على اتساعها لا تتوفر على ملعب واحد مؤهل لكرة القدم على الأقل.

هذه الأوضاع في مجملها فرضت على سكان المنطقة، وعلى شبابها بالخصوص، الهجرة في اتجاهات متعددة، بحثا عن أية فرصة لكسب الرزق ودعم أسرهم المعوزة أغلبها. إنه وضع بئيس بكل مقاييس ومعايير التنمية البشرية، وهو في العمق نتاج سنوات طويلة من التهميش. قبائل بني زوال لم تنصف من قبل الدولة ولم تنل حظا من التنمية يتناسب وتضحيات أهلها في الماضي من أجل الاستقلال، وفي الحاضر عن إسهام أبنائها البرَرة في الدفاع عن حوزة الوطن.

ولذلك نعتقد جازمين أن المنطقة في حاجة إلى مجهود تنموي مضاعف جدير بإعادة الاعتبار لمواطنيها ومواطنتها وينتشلهم من براثن الفقر ويقدم لهم بدائل حقيقية عن “العشبة” البغيضة، بدل سياسة العسف والتهديد والابتزاز.
وإذا كانت الحكومة غير آبهة بما يعيشه اهلنا في بني زروال من بؤس وظلم، فإن أمل السكان يبقى معلقا على التفاتة ملكية يرونها قريبة، صونا لكرامتهم، التي هي عنوان وجودهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *