الرباط -جواد مكرم

 

يرى حزب الأصالة والمعاصرة أن الإصلاح الجبائي المنتظر ينبغي أن يكون قادرا على إعادة العافية للمالية العمومية، التي لا توجد في وضعية سليمة. وهذا الوضع ناجم عن تفاقم الاستدانة، الناتج عن تعميق عجز الميزانية العمومية، الذي لم تستطع الحكومة التحكم فيه وتقليصه إلى ما دون 3% من الناتج الداخلي الخام. وحذر الحزب من “التبعات الخطيرة الناتجة عن الإفراط في الاستدانة، مشيرا إلى أن المديونية العمومية تصل حاليا إلى 970 مليار درهم، وهي بالتالي تكاد أن تعادل مجموع الثروة التي ينتجها المغرب خلال سنة كاملة (1072 مليارا في 2017).

ومن أجل معالجة معضلة المديونية العمومية، وفي سياق تصوره للإصلاح الجبائي الذي سيقدمه بمناسبة انعقاد المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات يومي 3 و4 ماي المقبل في الرباط، اقترح حزب الأصالة والمعاصرة ثلاثة حلول، الأول يروم اللجوء إلى سياسة التقشف، خاصة تقليص الميزانية العمومية، قصد تحقيق فائض يتم تسخيره لتسديد الدين العمومي. والثاني يكمن في اللجوء إلى التضخم، كما فعلت فرنسا وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، إذ بلغت نسبة التضخم في فرنسا نسبة 50%، ما سهل التغلب على مشكل المديونية؛ لكن هذين البلدين أديا فاتورة باهظة، لأن الطبقة الوسطى انهارت وتفشى الفقر ودمّر اقتصاديهما بسبب الارتفاع المهول الذي طال الأسعار، لذا يعارض “البام” هذا الحل.

في المقابل، يدعم الحزب الحل الثالث، الذي يهدف سَن ضريبة على الممتلكات الصافية، أي الضريبة على الذمة المالية التي سيتم تحديدها بالأخذ بعين الاعتبار الأصول والخصوم أيضا. واقترح الحزب أن تكون هذه الضريبة تصاعدية لضمان إسهام أكبر للأغنياء، تماشيا مع مقتضيات الدستور، التي تنص على مساهمة للملزَم حسب إمكاناته المادية.

ودعا حزب الأصالة والمعاصرة إلى “التفكير في إحداث ضريبة على الممتلكات الخاصة الصافية (وليس على الثروة) في سياق تصوره للمسألة الجبائية الوطنية، مؤكدا أن هذا المطلب يستمد مشروعيته من كون المديونية المفرطة للدولة أسهمت في إنجاز بنية تحتية ومشاريع مهيكلة أفضت إلى تزايد قيمة الممتلكات العمومية وممتلكات القطاع الخاص والمواطنين أيضا، باعتبار أن شبكة الطرق مثلا التي أنجزتها الدولة أدت إلى تثمين قطع أرضية لم تكن لها قيمة من قبل، كما أدت إلى بزوغ استثمارات القطاع الخاص على جنبات الطرق السيارة، كالمطاعم ومحطات الوقود، ورفعت ثمن الضيعات الفلاحية القريبة من الشبكة الطرقية.. هذا المثال يبين أن التجهيزات العمومية الممولة بالمديونية أدت إلى ارتفاع قيمة الممتلكات العمومية والزيادة أيضا في قيمة ممتلكات أو الذمة المالية للقطاع الخاص والمواطنين على السواء. ولهذا السبب، يتضح أنه “من المنطقي فرض ضريبة على الممتلكات الخاصة الصافية لتسديد المديونية العمومية”.

وفي نظر “البام”، فإن هذه الضريبة ليست جديدة لأنه في عهد الإقطاعية كانت السلطات تستخلص ضريبة على الأراضي الفلاحية، وبعد ذلك ظهرت الضريبة على العقارات، وأن المغرب يعتمد حاليا الضريبة الحضارية والضريبة على البقع غير المبنية. لكن هذه الضرائب كلها تخضع لأسعار نسبية وليست تصاعدية. كما أنها تحتسب على القيمة النقدية للأصول العينية وليس على القيمة الصافية. أما بالنسبة إلى الضريبة التي يتطلع الحزب إلى إحداثها، فإنها ستطبق على القيمة الصافية للعقار، ما يعني خصم القرض من قيمة العقار.

ولتطبيق الضريبة على الممتلكات التي اقترحها “البام”، يجب تجميع -في وعاء فريد- كل الممتلكات العقارية (أراض، ضيعات، مبان، بقع أرضية)… وغير العقارية، خاصة الرأسمال المالي، لأن هذا الرأسمال في الوقت الحالي أهم بكثير من العقارات، ما يعني تحيين قيمة العقارات التي تشكل وعاء الضريبة الحضارية، بعد ذلك يتم طرح من القيمة الإجمالية لهذه الأصول كل الخصوم الواجب طرحها للحصول على الذمة المالية الصافية التي نطبق عليها أسعارا تصاعدية.

ويرى الحزب، انطلاقا من هذه المنهجية، أن هناك احتمالا قويا لأن يتم إعفاء العديد من الملزمين الذي يؤدون حاليا الضريبة الحضارية من هذه الضريبة، لأن القيمة الصافية لعقاراتهم ستدخل ضمن الأشطر المعفاة وفق الضريبة الجديدة التي يقترح الحزب اعتمادها.

واقترح الحزب، بعد رجوع المديونية إلى مستويات معقولة، “عدم حذف هذه الضريبة على الممتلكات، بل الاحتفاظ بها، مع توجيه عائداتها إلى تمويل الخدمات الاجتماعية ومنظومة الحماية الاجتماعية. ومعلوم أن قسطا من هذه الضريبة على الممتلكات سيحول لفائدة الجماعات المحلية، لأن هذه الضريبة الجديدة ستعوض الضريبة الحضارية التي هي في الأصل ضريبة محلية. وفي هذا الإطار، اقترح الحزب إحداث ضريبة الإسهام في الاقتصاد المحلي التي يمكن أن تعوض الضريبة المهنية، “إذ سيمكن هذا التوجه من توحيد مجموعة من الضرائب المحلية في ضريبة واحدة تهم الأصول الصافية أو الممتلكات الصافية حسب توافق يمكن أن يتم في هذا المجال”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *