حسن البصري

قبل انطلاق المباراة التي جمعت المنتخب الجزائري بنظيره المصري، برسم بطولة كأس العرب، اختار محلل جزائري عباراته بعناية، حتى حسبته ديبلوماسيا معتزلا، حيث قال إن أرض الكنانة وبلد المليون ونصف شهيد أنجبا زعماء العرب، ثم تاه في سراديب التاريخ لينبش في سيرة بومدين وعبد الناصر. 

في حديثه عن خصوصية النشيد الوطني الجزائري، “قسما”، يقول المحلل إن كاتب كلماته هو الشاعر مفدي زكريا وملحنه هو الفنان المصري محمد فوزي، ليخلص إلى انصهار وجداني بين الشعبين، قبل أن تفرق بينهما الكرة. لا يعلم صاحبنا أن مفدي عاش في المغرب هربا من العقيد هواري، وأن فوزي مات مضطهدا من جمال، يا لمكر الصدف.

كلام المحلل عن العلاقات المتجذرة بين مصر والجزائر واستهلاله المشبع بالعروبة، انتهت صلاحيته بمجرد إطلاق صافرة بداية المباراة، حيث بدأ الكر والفر والسجال بين اللاعبين، فنسي المحللون هواري بومدين وأحمد بن بلة وجمال عبد الناصر ومفدي زكريا ومحمد فوزي، واتجهت الأنظار صوب صفارة الحكم الأرجنتيني فاكوندو تيو، وحين انتهت المباراة بالتعادل بين الفريقين طعن الجزائريون في الحكم، وقالوا إنه لم يكن في مستوى المواجهة، علما أنه قاد أكبر ديربي في أمريكا الجنوبية بين ريفيربلايت وبوكاجينيور. 

قبل أن يجف عرق اللاعبين، قدم الإتحاد الجزائري لكرة القدم احتجاجا رسميا للجنة المنظمة لكأس العرب، ونال المعلق التونسي عصام الشوالي نصيبه من الشتم واتهم باستئجار “حنكه” للمصريين، وإذا لم يتخذ الاتحاد العربي قرارا في هذه النوازل، سيتلقى سفراء الجزائر في الأرجنتين وقطر وتونس ومصر، دعوة عاجلة للعودة إلى الجزائر من أجل التشاور. 

تعادل الجزائر أمام مصر كان بطعم الخسارة، وحدها الإنذارات هي التي حسمت المواجهة، لذا قال المصريون “صعدنا للدور الموالي عشان احنا مؤدبين”، فغضب منهم الجزائريون وتوعدوهم بنسخة ثانية من موقعة أم درمان.

لهذا تفكر الفيفا بجدية في إلغاء قانون اللعب النظيف، وتفضل الرهان على نظافة ذمة المسؤولين، ومكافحة جرائم غسل الأموال وعائدات تفويت نتائج المباريات والصفقات المشبوهة، من خلال الترويج لمسحوق الروح الرياضية.

ولأن السياسة تتربص بالكرة، فقد أقام جبريل رجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في مقر إقامة منتخب فلسطين بالدوحة، حفلا على شرف المعلق الرياضي الجزائري حفيظ الدراجي، قال فيه جبريل إن أول جواز سفر حمله في مسيرته النضالية كان جوازا جزائريا، وأضاف بأن لوائح الاتحاد الفلسطيني تمنع على الأجانب تدريب المنتخب الفلسطيني إلا إذا كانوا جزائريين أو تونسيين. 

أنهى رئيس الاتحاد الفلسطيني خطبته دون أن يذكره مرافقوه بأن عددا من الأجانب أشرفوا على تدريب المنتخب الفلسطيني، منهم نمساوي وبولوني وبوليفي، إلا إذا كان هؤلاء يحملون جوازات سفر جزائرية أو تونسية. 

بدا وكأن جبريل يعيد نفس الموال في كل حفل استقبال، مع تعديل اضطراري في الأزمنة والأمكنة ورباط العنق، فحين استضاف بلدنا المنتخب الفلسطيني وتحمل نفقات فترة إعدادية بالمغرب، أثنى اللواء جروب على المغرب حكومة وشعبا وقال ما لم يقله فريد الأطرش في المغرب حين غنى رائعته “بساط الريح”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *