*حكيم بلمداحي

                                                                                                                           

يجري هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي بوليميك بئيس حول تقارير تنتقد المنظومة التعليمية في المغرب.

 ما يشبه النقاش هذا، ينصب على جزئية يحاول البعض اختزال كل مشاكل التعليم فيها وتتمحور حول المدرس، فيما يحاول بعض آخر من المشاركين الدفاع المتعصب البدائي عن المدرس.

 بين الطرفين تشنج لا يمكن أن يكون هو المطلوب في ما يقتضيه الموضوع من جدية ورجاحة عقل ونقاش بمعرفة..

في المغرب معظم الناس يعرفون وضع التعليم ومسؤولية المدرس فيه. ما يتم تداوله عن بعض الأساتذة، بالمذكر والتأنيث، الذين يفسدون القطاع بممارسات مشينة.. هناك مدرسون ومدرسات بمستوى متدني.

هناك مدرسون ومدرسات يبتزون التلاميذ بالساعات الإضافية والدعم. هناك مدرسون ومدرسات يتماطلون في أداء واجبهم في المدرسة العمومية ويشتغلون في المدارس الخاصة بجد. هناك مدرسون ومدرسات لا يستحقون حمل الصفة سواء من حيث التكوين أو من حيث السلوك. لكن أيضا هناك مدرسون ومدرسات يقبضون على الجمر ويحملون هم التعليم ويقتطعون من صحتهم وراحتهم ووقتهم ومتاعهم ليقدموا أجود ما يملكون، ويجتهدون ليل نهار خدمة لرسالتهم، وهؤلاء، وهم ليسوا أقلية، هم الذين قال عنهم الشاعر كاد المعلم أن يكون رسولا..

موضوع المدرس إذن مطروح وبعمق كبير كونه طرفا أساسيا في العملية التعليمية التعلمية. والنقاش حول موضوعه يجب أن يكون بالرزانة المطلوبة، ليس بمنطق لماذا التركيز علينا نحن، والفاسدون موجودون في كل مكان، ولا بمنطق الأستاذ هو السبب في كل آلام التعليم. لابد من الانطلاق من كون الخلل يوجد في المنظومة كاملة ولابد من إصلاحه في كليته وليس اختزاله في جهة دون أخرى أو جزئية دون أخرى.. 

كل التقارير الوطنية والدولية المنجزة حول التعليم في المغرب تجمع على تفاقم المشاكل بشكل كبير مما ينعكس على المنتوج بصفة عامة.. استنتاجات مجموعة من التقارير إما تقول بأن القطاع مريض جدا ويحتاج إلى عملية جراحية معقدة، وإما تقول بأن نظام المدرسة العمومية فشل فشلا ذريعا. طبعا مخرجات التشخيص تختلف حسب تصورات فيها من يدفع نحو خوصصة القطاع بشكل معقلن وفيها من يدافع على التعليم العمومي..

منذ فجر الاستقلال كان الطموح كبيرا في إنشاء مدرسة وطنية موحدة تكون فيها الفرص متكافئة بين كل أبناء وبنات المغرب وفيها مقعد لكل تلميذ. غير أن الأمور سارت في اتجاه لا تكافؤ فيه للفرص، ربما تحقق فيه نوع من العمومية من خلال الانتشار الواسع للمدارس، لكن ظهرت فيه ظواهر خطيرة منها الفئوية إن لم نقل الطبقية والتفاوت المجالي والتمييز بين الجنسين والاكتظاظ وتسبب كل هذا في الهدر المدرسي وغيره. كما ظهر ضعف التأطير واهتراء البنيات التحتية. والنتيجة تدهور المستوى وإنتاج جيوش من العاطلين كون النظام التكويني لا يلائم سوق الشغل.

غير أن الكارثة التي ما بعدها كارثة تتمثل في المستويات المتدنية للتحصيل والتي تصنفها مجموعة من التقارير في مراتب جد متأخرة..

كل هذا مجرد وصف وتشخيص لا يستدعي الجدل العقيم وتبادل التهم وتعويم الموضوع. هناك حاجة إلى نقاش وبناء يشارك فيه الجميع. نقاش يتطلب الخبرة والمعرفة والطموح إلى استشراف المستقبل.

أوجاع التعليم لا يمكن اختزالها في طرف واحد. لكن أيضا لا يمكن حلها بقرارات تيقنوقراطية تقوم على صياغة برامج لا تنفذ ولن تنفذ.

هناك حقيقة لا مفر من الانطلاق منها هي أنه لا تنمية ولا نمو ولا تقدم دون تعليم جيد. غير ذلك مجرد عويل لا غير والمرحلة، بتحدياتها الجسيمة، تتطلب العمل والنجاعة وسرعة التصرف..

*كاتب /صحفي     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *