محمد عبد الوهاب رفيقي
هذه الأصوات التي تولول وتصيح وتستنكر ما تضمنته اللوحة الإبداعية الجميلة التي قدمت أمام الملك محمد السادس والبابا فرانسيس، بحجة تعارُض ما فيها مع عقائد المسلمين، ولأن الأذان لا يمكن أداؤه بطريقة غنائية أو خلطه بما هو فني.. هؤلاء ينطلقون في كل ذلك في رأيي من أصلين أساسيين:
-الأول: عقدة التفوق واعتقاد بطلان كل العقائد سوى ما يؤمنون به وجزمهم بأن من لم يكن على عقيدتهم فهو من أصحاب النار خالدا مخلدا فيها أبدا.. ولا يخفى ما في ذلك من عنصرية استنكرها القرآن على أهل الكتاب أنفسهم “وقالت اليهود ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب”. ثم قال “كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم”، كما استنكر على أهل الكتاب اعتقادهم أفضليتهم على غيرهم “وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق”. وكل هذه الآيات نصوص موجهة للمسلمين ختى لا يقعوا في ما وقع فيه من قبلهم؛
-الثاني: عداؤهم التاريخي للفن، فكيف تريد ممن يعُدّ مجرد سماع معزوفات موسيقية دون كلمات منكرا ولهوا من الحديث، ويستحق سامعها صب الرصاص في أذنه يوم القيامة، أن يستسيغ سماع كلمات مقدسة تؤدى بألحان موسيقية، كيف وهو يرى الفن رجسا ودنسا أن يقبل بخلطه بالمقدس؟ كيف تريد ممن لا يعرف للفن قيمة ولا دورا في الحياة ولا علاقته التاريخية بالأديان أن يوافق على ترنيم جزء من الأذان؟ علما أنه لا يدري أن ما يسميه علم “تجويد القرآن” ليس إلا ترنيما للقرآن وتوظيفا للمقامات الغنائية التي لم يعرفها المسلمون في قرونهم الأولى!…
طبيعي، إذن، أن يكون رد الفعل بهذه الانفعالية والصخب، وإن كان الغريب المضحك أن هؤلاء أنفسهم من يتحدثون عن التسامح ، وهم أنفسهم من هللوا لحضور النيوزيلنديين مراسم صلاة الجمعة، فالتسامح في رأيهم هو تسامح الآخر معهم، لا تسامحهم مع غيرهم.
ثم بعد كل هذا يقال من أين أتت داعش؟ ومن أين لها بهذه الأفكار المتطرّفة؟ وإنها مؤامرة على الإسلام والمسلمين!