سعيد بلفقير
لا مزاج له اليوم ليلبس قميص الفريق. يشعر بالضيق والحنق. لا يريد الكلام، ربما لا يستطيع. غصة ما تسد مجرى الحروف والمعاني.
رمى جسده المتعب في قميص أسود. عد دريهماته وأعادها إلى جيبه. مشط شعره بأصابعه وخرج دون أن ينظر إلى المرآة. يشعر بأنه عاف نفسه.
سيبحث عن مقهى لا يعرف فيها أحدا ولا يعرفه فيها أحد. يحتاج أن يفكر ويتأمل. يحتاج للغوص في التفاصيل، يحتاج.. فقط أن يجلس ليتأمل الخواء الذي يملؤه.
خطاه تطرز الرصيف ببطء قاتل. قصف الأفكار لا يتوقف. صديقه الأوحد بعيد جدا، إنه في الرباط يبحث عن حل، يريد أن يكون أستاذا حقيقيا كما يقول دائما. لكن الأخبار القادمة من هناك تقول إن صديقه في المستشفى.
جار له يعمل في جريدة، إنه صحافي، كان صديق طفولة جامحة. لعبا معا كرة قدم جميلة، مباريات تبدأ مع شروق الشمس وتنتهي بغروبها. سمع أنه عاد أمس من المحكمة، تهمته غريبة وفوق مستوى الفهم والإدراك، إنه ينشر أخبارا صحيحة.
تذكر أنه لم يستقر في عمل قط. كلما فتح فمه يجد نفسه في الباب. قرر أن يعمل بصمت، أن يقتل في نفسه نبض السؤال، لكنه لم يجد العمل.
وصل إلى المقهى، جال بنظره في الأرجاء فلم ير وجوها مألوفة فتنفس الصعداء. في أبعد مكان بقلب المقهى كان كرسي في انتظاره، كان الأخير لأن اليوم هو يوم السوبر.
كم تمنى لو كان يدخن حتى يلفظ غيظه من خلال دخان السيجارة، فقهوة سوداء الآن لا تكفي.
بدأت المباراة وظن أنْ لا شيء سيتغير.
هدف، هدفان، ثلاثة.
انتبه إلى فنجان قهوته فوجده كما هو، لم يرشف منه رشفة لكنه صار باردا.
لم يتذكر من التسعين دقيقة شيئا، فقط أمسك رأسه عندما سجل الحافيظي وابتسم بجنون عندما سجل بانون.
غادر المقهى وبدا وكأنه خرج من دار عرس. استدار، ابتسم، طأطأ رأسه وعبر الشارع.
تمتم وهو يسير “رحم الله البوصيري”.
غصة في حلقه، قشعريرة تهز جسده، حالة بين الفرح والغضب استبدت به، انتشاء.
حدث نفسه: هي فقط الرجاء، تفعل بي كل هذا، إنه الفرح العظيم.
ظل يخطو حتى تاه عن طريقه، وجد نفسه في حي لا يسكنه. داهمته القشعريرة من جديد. رفع ذراعيه عاليا ثم صرخ. انتبه إلى نفسه وظن أن من حوله سينكرون عليه ذلك. لا أحد يراه، الكل يصرخون.
كرة القدم الفرَحُ الوحيد هنا.