حسن البصري

يحكى أن الملك فاروق عندما أحب الأميرة فاطمة، اكتشف أن قلبها يخفق لشاب برازيلي فضلته على البلاط وهربت معه إلى قرية ضواحي ريو دي جانيرو. تحركت الخطوط الهاتفية أملا في تسليم فاطمة، لكن السلطات الديبلوماسية البرازيلية رفضت بدعوى عدم وجود اتفاقية بين البرازيل ومصر لتبادل العشاق.

مناسبة هذا الاستهلال هو محاولة اتحاد الكرة الجزائري “تنبيه” نظيره البرازيلي لمضاعفات خوض مباراتين وديتين في العيون وأثرهما على قلب “الخضر”، خاصة وأن المواجهتين بين منتخب المغرب لكرة القدم داخل القاعة والفريق البرازيلي تميزتا بحضور قناصلة عشرات الدول في المقصورة الرسمية.

في ظل وجود خلطة هجينة بين السياسة والرياضة في ثلاجة مطبخ الجيران، لا يستبعد استدعاء السفير البرازيلي بالجزائر “فلافيو ماريغا” وإبلاغه احتجاجا ديبلوماسيا، أو استدعاء السفير الجزائري في البرازيل للتشاور، وقد يمتد الغضب الساطع الآتي من الشرق إلى طلب توضيحات حول تصريحات مدرب منتخب البرازيل لكرة القدم داخل القاعة “ماركينيوس كزافي” الذي عبر عن سعادته بالتواجد بمدينة العيون حاضرة الأقاليم الجنوبية، وتمنى أن يعود للصحراء المغربية كسائح يعشق جمع الصور.

أخشى أن يهدد حكام الجزائر الفيفا بالانسحاب من المنافسات القارية والعالمية، وأن يقطعوا أنبوب ضخ المواهب الكروية إلى أوربا ويصادروا نقل مباريات المونديال في قنواتهم، أو يمنعوا طائرة رئيس الاتحاد الدولي من التحليق فوق التراب الجزائري. وقد يلجأ النظام، لما يعتبره حربا اقتصادية، فيصدر قرارا بوقف استيراد البن البرازيلي حفاظا على صحة المواطنين من ارتفاع منسوب الكافيين.

يعتقد البعض أن الانسحاب من تظاهرة رياضية قارية أو عالمية “مكسب سياسي”، فيستبدل الطاقم التقني بخبراء في السياسة الدولية ويخضع الإداريين للحقنة الرابعة من محلول الحقد والضغينة. أما المواطن العاشق للرياضة فيتابع غصبا عنه نفس المسلسل المدبلج مع اختلاف شخصياته وحبكته الفنية، ويتحمل حلقاته الطويلة إهدارا للوقت وإزهاقا للزمن. 

كلما حدث خلاف عميق وصل حد القطيعة، يردد المحللون وخبراء التنمية الذاتية “ابحث عن المرأة”، لكن في الجزائر تغير الأمر فاستبدلت المرأة بالكرة، مع حساسية مفرطة من كل متعة كروية قادمة من البرازيل.

في 19 يونيو 1965 حل فريق “سانتوس” البرازيلي بالجزائر بقيادة النجم العالمي “بيليه”، لمواجهة منتخبها الوطني في مدينة وهران، في هذه الأمسية خطط هواري بومدين للإطاحة بصديقه أحمد بن بلة والناس يتابعون مباراة ودية. كان الرئيس يستمتع بمهارات “بيليه” و”غارينشا”، ويضرب كفا بكف كلما أهدر لاعب جزائري فرصة للتهديف، لكن في غرفة مجاورة كان الانقلابيون يقومون بعميلة إحماء لعزل الرئيس مباشرة بعد إعلان الحكم عن انتهاء مواجهة ظاهرها ود وباطنها تمرد.

حين علم “بيليه” بالخبر، بكى بحرقة وطالب بلاده بقطع العلاقات الرياضية مع الجزائر، بعد أن بادر عساكرها إلى تغيير رئيس دولة في المقصورة الشرفية ويده ملتهبة من فرط التصفيق.

منذ ذلك الحين أصبح الفريق البرازيلي جزءا من سيناريو مسلسل رعب مدبلج عنوانه “سامحيني أيتها الكرة”، وظل “سانتوس” متابعا لسنوات بتهمة المشاركة في الإطاحة برئيس دولة، وحذر الشاب خالد في رائعته “روحي يا وهران روحي بالسلامة” من دسائس ليل وهران.

ساهمت الكرة في إنهاء صلاحية لازمة التكافل “إلا ما طاب عشانا يطيب عشا جيرانا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *