رشيد لزرق
دكتور في العلوم السياسية و القانون و الدستوري
في تفاعل مع حراك الشارع على عهد الربيع العربي، الذي أسقط أنظمة جمهوريات عدة وأقلق عروش دول أخرى، عندما رفعت “شعوب الثورة” شعار”إسقاط النظام”، وصدحت “جماهير الفورة” كما بالمملكة المغربية، بترديد شعار”إسقاط الفساد”، أولى التعاقد الدستوري المغربي لسنة 2011، مكانة هامة في الهندسة الدستورية للحكامة الجيدة.
لقد خصص المشرع الدستوري، للحكامة التي تناقض الفساد والإفلات من العقاب، بابا كاملا وهو الباب الثاني عشر الذي يتكون من 17 فصلا( من الفصل 154 إلى الفصل 171 )، حيث تظهر الأهمية التي كرسها المشرع الدستوري لموضوع الحكامة باعتباره موضوعا يفتح الباب نحو الديمقراطية السليمة التي هي عماد التشريعات وأسس تطور الأمم المتقدمة.
على هذه القاعدة المؤسسة للمبادئ العامة لترسخ الاختيار الديمقراطي، سيعلن المغرب تبنيه لهذا الاختيار، مؤكدا أنه لا رجعت في السير نحو ترسيخه ورفع أعمدة تنزيله على أرضية القانون الاسمى بالبلاد المتمثل في الوثيقة الدستورية.
بيد أنه رغم دسترة المشرع الدستوري المغربي لمجموعة من المقتضيات الهامة المؤطرة للحكامة ومحاربة الفساد، لا بل وتقنينه لمجموعة من المؤسسات و الهيئات في فصول الدستور، كما هول الحال مع مبدأ”ربط المسؤولية بالمحاسبة”..ظل التنزيل السليم لغالبية هذه النصوص الدستورية، محط تساؤل النخب والقواعد، حول ما إذا كان ثمة”جيوب مقاومة”، تحن إلى ما قبل حراك 20 فبراير، أو قل”مغرب ما قبل العهد الجديد”.
لذلك ظل مطلب إسقاط الفساد، سؤالا من بين الأسئلة الراهنية، التي تساءل مختلف مؤسسات الدولة ذات الصلة والأحزاب التي قادتها الشعبوية إلى فقدان ما تبقى لها من رصيد جماهيري، في ظل تماطل حكومات ما بعد دستور 2011. في إستكمال تنزيل الدستور وإخراج النصوص التنظيمية المؤطرة لعدد من مؤسسات الحكامة. كما لو أن التنصيص الدستوري على الحكامة، كان ترفا تشريعيا أو مسكنا دستوريا لتنويم شارع الحراك .. وليس مجسدا لروح الاختيار الديمقراطي الذي تقول أعلى سلطة في البلاد “إنه اختيار لا رجعة فيه”.
إن محاربة الفساد، يظل ضرورة مركزية، بدونها لا مجال لتفعيل الإصلاح، الذي يتم عبر تكريس قيم الحكامة الجيدة، ومواجهة كل أشكال العبث الحكومي والمؤسساتي، بأحكام الدستور، فالسياسات العمومية، توضح بكون أحزاب التحالف الحكومي، عاجزة منذ أكثر من 7 سنوات، عن مواجهة هذه المعضلة، ما جعلها جزء من معضلة، تعثر تنزيل الدستور في “باب الحكامة” إن صحة الوصف.
بطء العمل الحكومة في مجال محاربة الفساد، واقتصاد الريع، يكشف عن انعدام رؤية إصلاحية حقيقية، وفشل الإجراءات المتخذة في تنزيل القيم الدستورية، من حيث ترسيخ الحكامة الجيدة، وعدم الإفلات من العقاب. وربط المسؤولية بالمحاسبة…
فلا يمكن لأحزاب، تقودها زعامات شعبوية، غارقة في الفساد و اقتصاد الريع، أن تحظى بصفة الجدية والمصداقية، في وضع إستراتجية وطنية لمحاربة الفساد.
ففي ظل تزايد الوعي الشبابي، الذي يطرح سؤال أين الثروة؟ والذي عجزت حكومات ما بعد دستور 2011 على تقديم إجابة واضحة بشأنه؟؟؟، لذلك سيكون مشروعا أن نستمر في طرح سؤال أين وصل مخطط أحزاب التحالف الحكومي لتنزيل إستراتيجية الوطنية لإسقاط الفساد؟ خصوصا ونحن نعاين محاولة تكميم الأفواه من طرف القيادات الشعوبية الغارقة في غنائم الريع.
فالسيد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، و وزير المنتدب في إصلاح الإدارة و الوظيفة العمومية، محمد بنعبد القادر، يستمران في لغة الخشب، وخطابات الإشهار الإعلامي، في حين أنهما لم يتخذا إجراءاتٍ حازمة وسريعة، تظهر نتائجها على ارض الواقع، من أجل وضع حد للتلاعب بالمال العمومي والمس بالمصالح العامة للشعب.
لقد كان من المستعجل، تفعيل القوانين وتسهيل عمل مأمورية الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للقيام بعملها، وتكريس مزيد من الشفافية في مجال المعاملات المالية والصفقات العمومية، وهي خطوات أضحت ضروريةً، وقد تحدد مصير الحكومة الحالية والأغلبية، بالنظر إلى ما سيكون لها من أثر في الفترة المقبلة، سياسياً وانتخابياً.
انهم يفكرون بمنطق متخلف يزعم تجمد الحراك الشعبي عند دستور 2011، وعدم قدرة الشعب خاصة أبناء جيل الفايسبوك ووسائط التواصل الاجتماعي، على ممارسة مزيدا من الرقابة والمحاسبة الشعبية،”سلاح المقاطعة نموذجا”.
وعليه، باب من الواجب على حكومة سعد الدين العثماني وغيرها من المؤسسات رسمية وأخرى سياسية ومدينة، خاصة القيادات الحزبية الشعبوية كـ”إدريس لشكر”، أن تتخلى عن أنانيتها، وتفي بتعاقدها الدستوري مع الشعب، حتى لا نصبح أضحوكة أمام الأعداء والأصدقاء، عندما يموت الأمل، وتنتقل عدوى”المقاطعة”، من إستهداف منتوج إستهلاكي”جشع”، إلى إستهداف إستحقاق إنتخابي لا نريد أن يكون وجهه”بشع”.