محمد سراج الضو

بعد توقيع عقد الحماية بين السلطان مولاي حفيظ وممثلي فرنسا العسكريين في المغرب في مارس 1912، بدأ المقيم العام الفرنسي ليوطي في تفكيك نظام المخزن المغربي العتيق، بطريقة تدريجية وتغيير بنية المجتمع المغربي ونقله ببطء من مجتمع تقليدي غارق في التخلف لى مجتمع منخرط في الحياة العصرية.. قبل ذلك، كان المغاربة خاضعين لسيطرة نظام مخزني فاسد ومستبدّ، في أجواء من الفوضى السياسية والاقتصادية أوصلت المغرب إلى الإفلاس..

كانت السلطة المخزنية موزعة إقليميا بين مجموعة من القياد الكبار يمثلون السلطة المركزية، ممثلة في السلطان يساعده في العاصمة مجموعة من السّياسيين، أغلبهم من الفقهاء ورجال الدين ورؤساء الزوايا والتجار ومغامربن أوروبيين، إضافة الى المشعوذين والمحتالين باسم الدين..

وكان نظام التعليم الأساسي المطبق هو التعلبم الديني والفقهي، يبدأ من المساجد وينتهي في المساجد من طرف فقهاء شبه أميين.. ولا يستفيد منه إلا قلة قليلة من الشعب. أما أغلبية المغاربة فكانوا غارقون في التخلف والجهل والأمية.. أغلب رجال الدولة المحيطين بالسلطان لا يعرفون أية لغة غير العربية. لم يتلقوا في حياتهم تعليما غير التعليم الديني.. القضاء يطبّق العقوبات الإسلامية، كالرجم وقطع الرؤوس والأطراف.. بالمخلص المفيد، كان المغرب دولة دينية شمولية، بالمفهوم الكامل للدولة الدينية المتجبرة والمسيطرة على الأبدان والعقول..

علماء وفقهاء ذلك الزمن حرّموا كل شيء له علاقة بالحضارة المتربّصة على الأبواب.. من ركوب الدراجة الهوائية، إلى عدم استعمال الهاتف، لأنه “آلة يقطنها الجن! حرّموا اللباس الأوربي والتصوير وكل ما له علاقة بالتقنيات الحديثة آنداك!

على بعد مائة سنة وبضع سنوات من توقيع معاهدة الحماية، كيف يبدو لنا واقع المغرب حاليا؟ .. يبدو أننا لم ننفصل تماما عن تلك الصورة التي سيطر فيها الفقهاء وإلحكام الذين تحكّموا في مصائر المغاربة باسم الاسلام! رغم أنهم لا يزالون يحنّون اإى دولة الخلافة. فقد استطاعوا أن يتكيفوا مع العصر وأن يغيّروا مواقفهم وقناعاتهم الدينية بقفزات بهلوانية من هنا إلى هناك ومن موقف إلى نقيضه، بغطاء التقية والغاية تُبرّر الوسيلة.

يُغيّرون آراءهم بحربائية ويتلوّنون حسب المكان والزمان. يحشرون الدّين في الخاص والعام يزيدون فيه وينقصون، بدون أن يبرروا أو يفسروا تناقضاتهم.. فالسادة العلماء والفضلاء لا يُسألون ولا يقدّمون تبريرات أو تفسيرات؛ فالاسلام قابل لكل التأويلات..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *