محمد الغيداني

غادرنا إلى دار البقاء الأخ والأب والأستاذ محمد بنعبد السلام. محمد القايد بنعبدالسلام ظاهرة إذاعية متميزة تستحقّ كل تقدير وتنويه. فباستعراضنا قائمة أسماء المسؤولين الذين تعاقبوا على تسيير الإذاعة المغربية، نجد أن اسمه يسطع أكثر من غيره، لنبوغه وابتكاره في تطوير العمل الإذاعي. فهو أول من أسس إعلام القرب، بانفتاحه على قضايا المجتمع وقضايا الوطن وإشراك المستمع في إعداد ومناقشة البرامج المباشرة.

الراحل محمد بنعبدالسلام كان يجمع بين الصرامة والمرونة في تعامله اليومي مع المنتجين والعاملين إلى جانبه. يعرف جيدا كيف يستثمر قدراتهم المهنية ويشجّعهم على طرح الأسئلة المستفزة على ضيوف البرامج الإذاعية دون الإخلال بشروط الحوار المسؤول. فغالبا ما كان يحثهم على طرح القضايا الاجتماعية، السياسية والثقافية المسكوت عنها.

محمد بنعبد السلام أول من وظف التلفون كوسيلة مهمة للتواصل الإذاعي مع كافة المستمعين، باختلاف مستوياتهم، رغم ما في ذلك من حرج وخوف وتوقع لما هو غير مرغوب فيه. الفقيد محمد بنعبد السلام كسب رهان التواصل المباشر الإيجابي بين الإذاعيين والمستمعين من خلال البرامج المباشرة التي أشرف عليها.

 

محمد بن عبد السلام يعد أحد الأسماء التي طبعت مسار الإعلام الوطني المرئي والمسموع؛ فذاكرة المشاهد المغربي لا يمكن أن تنسى البرامج التلفزية التي أشرف على إعدادها، كبرنامج “قبل الامتحان”، الذي كان يقدّمه الإعلاميان عبد الرفيع الجواهري ومحمد السباعي، والذي كان يبث مباشرة واستمر سنوات. ومن البرامج المتميزة التي أشرف على إعدادها أيضا برنامج “سمر”، الذي كان يقدمه الراحل الطاهر بلعربي ويخرجه كل من محمد الغرملي وشكيب بنعمر. فبرنامج سمر من البرامج السياسية التي استضافت أبرز الأسماء السياسية ورؤساء الأحزاب، نذكر منهم محمد بلحسن الوزاني، المهدي المنجرة، امحمد بوستة، عبد الرحيم بوعبيد، علي يعتة، عبد الكريم الخطيب، المهدي بنعبود، عبد الحفيظ القادري، عبد المجيد بنجلون، محمد الفاسي، عبد الكريم غلاب وغيرهم.

محمد بنعبد السلام مدرسة طبعت مسيرة الإعلام الوطني، يعدّ مؤسس إعلام القرب في المغرب وأعطى الانطلاقة للبرامج المباشرة في الإذاعة المغربية وأتاح الفرصة للمستمعين فرصة لإسماع أصواتهم ومناقشة المواضيع المقترحة على أمواج الأثير. وقد خلّد محمد بنعبد السلام برامج إذاعية كثيرة في ذاكرة المغاربة، “قافلة التنمية” و”قطار التنمية” و”الحومة” و”الأحد لكم” و”ريحة البلاد” و”استجوابات خيالية” و”ليالي رمضان” وبرنامج “12/ 13″، الذي كان يقدمه مصطفى العلوي.

وبالرغم من كون ثقافة محمد بنعبد السلام فرنسية فإن فترة التدريب التي قضاها في الولايات المتحدة الأمريكية مكّنته من التشبع بالأسلوب الإعلامي الأنكلوساكسوني. وبعد عودته من هذا التدريب أسنِدت إليه مهمة رئيس قسم البرامج الدولية في الإذاعة، ثم عين رئيسا لقسم الإنتاج العربي والأمازيغي والدولي. فمحمد بنعبد السلام لم يكن إذاعيا فقط، بل كان مفكرا ومثقفا، فهو رجل مد الجسور بين الإذاعة والتلفزة. فإنتاجاته لم تقتصر على الإذاعة، بل كان مؤطرا لمجموعة من البرامج التلفزية.

محمد بنعبد السلام، الصارم في مسؤولياته والحاضر في كل المحطات، كان -إلى جانب ذلك- الرجلَ المتواضع الذي يتمتع بصفات اجتماعية قل نظيرها. فهو رجل وهرم إعلامي متميز. رجل فتح الأبواب لكل الأجيال. فبعد الجيل الأول، الذي عمل إلى جانبه، كعبد الرفيع الجوهري، الطاهر بلعربي، محمد السباعي، مصطفى العلوي، بنعيسى الفاسي، امحمد الجفان، امحمد البوكيلي، السيدة ليلى، رشيد الصباحي… جاء الجيل الجديد، الذي وجد الطريق معبّدا وسار على خطى من سبقه. فالتحقت أسماء مثل نجاة بناني، أمينة السيد، فؤاد آيت القايد، صباح بنداود، الحسين العمراني، أسمهان عمور، عبد الرحيم باسلام، حكيم بنحمو وكاتب هذه السطور.

كان الراحل محمد بنعبد السلام خير ما أنجب المغرب، رجلَ التواضع، عاش في الظل، ولكنه كان الفكر الموجه لكل الأجيال الإذاعية على امتداد نصف قرن من الزمن. محمد بنعبد السلام يستحق من الدولة المغربية أن تكرّمه تكريما يليق به، لأنه خدم بلاده في نكران ذات وبتواضع وكفاءة وجدية، لأنه قام بأعمال تقوم بها مؤسسة كاملة. كان يقوم بها لوحده، فقد أشرف على إعداد برامج إذاعية وتلفزية نالت استحسان الشعب المغربي كله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *