الرباط:بعثة Le12

دعا رئيس مجلس المستشارين حكيم بن شماش، اليوم الأربعاء، إلى التأسيس لأرضية وطنية جديدة للحماية الاجتماعية، مؤكدا على أن النموذج الحالي  لمنظومة الحماية الاجتماعية استنفد مداه وأنه يوجد على عتبة تحديات جديدة، تتمركز في صلب “تفكيرنا الجماعي في نموذجنا التنموي”.

وقال بنشماش، أزيد من 500 مشارك ومشاركة في النسخة الرابعة للمنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية الذي احتضنه مجلس المستشارين، إن التحدي المنهجي الذي يواجهنا جميعا، يتعلق  ببناء أرضية وطنية جديدة للحماية الاجتماعية كجزء من نموذجنا التنموي الجديد، وهي أرضية تتجاوز، من حيث أهدافها، ومداها وتدابيرها، برنامجا حكوميا لولاية واحدة، أو رؤية قطاع وزاري، أو فاعل حزبي أو نقابي أو مهني.  وبالتالي لا بد أن يكون أي تصور لنظام الحماية الاجتماعية قادر على تجاوز الاختلالات والإكراهات الحالية التي تحد من وقعه على المواطن وعلى التنمية البشرية والاجتماعية بصفة عامة. وأكد أن بلادنا اليوم في مفترق الطرق، فمن أجل إرساء تنمية عادلة وشاملة، يتعين أن تتوفر على نظام حقيقي مندمج ومنسجم ومستدام للحماية الاجتماعية.

السياسات الوطنية والتوجيهات الملكية

واعتبر رئيس مجلس المستشارين أن التملك التقني والسياسي القوي لأي إصلاح لأنظمة الحماية الاجتماعية يقتضي إيجاد حلول من شأنها ضمان إعادة الهيكلة، وتحسين ومواءمة البرامج والسياسات الوطنية في مجال الحماية الاجتماعية، وذلك انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب العرش بتاريخ 29 يوليوز الماضي.

 

كما أن إعادة هيكلة المنظومة الوطنية للحماية الاجتماعية، تعتبر أولوية مرتبطة أيضا بالورش الذي يسهر جلالة الملك محمد السادس على توجيهه وتتبعه والمتعلق بإعادة هيكلة منظومة الدعم الاجتماعي، ذلك أن توطيد وتحسين فعالية المنظومتين، هو أحد الأهداف الأساسية لنموذجنا التنموي قيد البناء، في جوانبه المتعلقة بحماية وإدماج الفئات الهشة، وإعادة توزيع الثروة، وتحقيق الغايات النبيلة للتضامن بين الفئات والأجيال والتضامن المجالي، والتماسك الاجتماعي.

وشدد رئيس مجلس المستشارين، على أن اعتماد هذه الرؤية، هو الذي سيمكن من ضمان الطابع الفعلي للأهداف المنصوص عليها في تصدير الدستور من “إرساء دعائم مجتمع متضامن”، يتمتع فيه الجميع بـ”العدالة الاجتماعية”، كما سيمكن من تحقيق الالتزام الإيجابي للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بالعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات و المواطنين على قدم المساواة من الحق في الحماية الاجتماعية، على النحو المقرر في الفصل 31 من الدستور، وسيتيح وضع أرضية فعالة للسياسات العمومية الموجهة للفئات الهشة المشار إليها في الفصل 34 من الدستور.

ودعا بن شماش المشاركون في المنتدى، إلى استحضار التوجيهات المنهجية  الواردة في التوصية رقم 202 التي أقرها مؤتمر العمل الدولي في سنة 2012، بشأن الأرضيات الوطنية للحماية الاجتماعية، لا سيما منها التوجيهات المتعلقة بشمولية الحماية و توسيع نطاقها، وملاءمة الإعانات، وعدم التمييز و المساواة بين الجنسين، ودمج الأشخاص العاملين في الاقتصاد غير المهيكل، والإنجاز المتدرج، والابتكار في آليات التمويل من أجل ضمان الاستدامة المالية و الضريبية و الاقتصادية للمنظومة.

البرامج الاجتماعية وانعدام الالتقائية

وشدد رئيس مجلس المستشارين على ضرورة التفكير في السبل العملية لتجاوز الثغرات الحالية للمنظومة الوطنية القائمة للحماية الاجتماعية، في مقدمتها تعدد البرامج الاجتماعية وانعدام الالتقائية، مشيرا في هذا الصدد إلى العرض الذي تقدم به  الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة،  خلال اجتماع مجلس الحكومة المنعقد يوم 20 دجنبر 2018 ، أياما قليلة بعد المناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية التي تم تنظيمها بالصخيرات يومي 12و13 نونبر 2018 ، والذي كشف وجود” حوالي 140 برنامجا مصمما ومنفذا بشكل مستقل عن بعضها البعض، بطرق استهداف وآليات حكامة مختلفة؛ لكن، يضيف الوزير، هناك مشاكل يجب معالجتها منها ما يتعلق بتعدد المتدخلين وقصور في التنسيق فيما بينهم، وتعقد المساطر الإدارية وشروط الاستفادة؛ وضعف مساهمة الجماعات الترابية في تصميم وتمويل وتنفيذ برامج الحماية الاجتماعية”.

وبالاضافة الى الاعطاب المسجلة على مستوى نظام حكامة هذه البرامج والثغرات المرتبطة بالاستهداف والتحديات المتعلقة بالتمويل والاستدامة، أكد حكيم بن شماش على أن هناك اختلالات بات من المستعجل معالجتها لأنها تشكل، كما هو ملاحظ في الواقع، أساس المطالبات المشروعة المعبر عنها من قبل مختلف فئات الشعب المغربي، من أجل الولوج الفعلي إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ويتعلق الأمر على الخصوص بالثغرات الملاحظة على مستوى منظومتي الرعاية الصحية والدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة والهشة، وعلى مستوى دمج الاقتصاد غير المهيكل. وهي جميعها قضايا مترابطة.

الحكومة والحوار الاجتماعي

ولم يفوت بن شماش مناسبة انعقاد المنتدى الرابع للعدالة الاجتماعية دون أن يثير انتباه مختلف أطراف الحوار الاجتماعي من حكومة، ومشغلين ومنظمات نقابية إلى ضرورة إيلاء قضايا إعادة بناء الأرضية الوطنية للحماية الاجتماعية، المكانة التي تستحقها، ضمن أولويات الحوار المذكور، مساهمة من جميع أطراف العملية الإنتاجية في ابتكار حلول ناجعة، ملائمة لوضعنا الاجتماعي والاقتصادي، وضامنة لتحقيق مختلف الأهداف التي ذكرنا بها.

في السياق نفسه، أوضح بن شماش أن الحق في الحماية الاجتماعية يرتبط بجوهر مبادئ وقيم العدالة الاجتماعية ويعتبر ترجمة لإعادة توزيع الثروة بشكل عادل من خلال استعمال الإنفاق العمومي لتمويل برامج تضمن للجميع الحق بالأمن الاجتماعي. 

وأبرز أن برامج الحماية الاجتماعية للأفراد تضمن استدامة حصولهم على الخدمات التي تساعدهم على تأمين مستوى عيش لائق وتحررهم من مخاطر الجوع والفقر وانعدام التغطية الصحية وعدم توفر خدمات تعليمية تمكنهم من تطوير قدراتهم الشخصية. بالتالي فإن الحق في الحماية الاجتماعية يعتبر أساسيا لضمان حصول الأفراد على حقوقهم الأساسية في الصحة والتعليم والعمل والحياة الكريمة. وأوضح أن الحمايــة الاجتماعية هــي الركيــزة الأساسية التــي يستحيل تصور انبثاق واستدامة عقد اجتماعي قوي ومستدام دون تحصينها وجعلها أولوية قصوى للسياسات العمومية.

وزا د بن شماش قائلا ” إننا لسنا بحاجة الى البرهنة على صحة الفرضية التي تشير الى انه بالنسبة لبلد يطمح الى تحقيق الإقلاع الاقتصادي واللحاق بركب الدول الصاعدة كالمغرب، فان إعادة بناء المنظومة الوطنية للحماية الاجتماعية في اتجاه تجاوز الاختلالات البنيوية التي تعاني منها وتحقيق مقومات الشمول والاستدامة هو أمر لا مفر منه، على اعتبار ان منظومة للحماية الاجتماعية بهذه المقومات سيكون لها تأثير إيجابي على تثمين رأس المال البشري و تحسين الإنتاجية، و ستسهم في الحد من التفاوتات الطبقية والمجالية، وإنهاء حلقة الفقر ومنع توارثها بين الأجيال وبناء القدرة على مواجهة الصدمات ، وبالنتيجة  في تحقيق الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي،. كما أن توسيع الحماية الاجتماعية يسهم في التعافي من الازمات الاقتصادية   وتحقيق التنمية الشاملة وصون كرامة المواطنات والمواطنين”.

وشدد على أن الحــق في الحماية الاجتماعية مكرس فــي عدد من الاتفاقيات الرئيسـية للأمـم المتحـدة ومنظمـة العمـل الدوليـة ومنظمـة الصحـة العالميـة. كمـا تدعمـه العديـد مـن المبـادرات المهمـة العابـرة للحـدود الوطنيـة، وآخرهـا كان فـي سـنة 2015 مـن خلال اعتمـاد أهــداف التنميــة المســتدامة الســبعة عشــر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *