جاء الخطاب الملكي الأخير لكي يضع النقاط على الحروف 

ويوضح لكل من لازال لديه لبس أو غموض في الرؤية أن المغرب حسم موضوع سيادته على الصحراء بشكل نهائي، وأن ما يطمح له المغرب هو إغلاق قوس هذا النزاع المفتعل في إطار القانون الدولي والمفاوضات للوصول نحو حل نهائي مبني على مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.

والخطاب الملكي كان أيضا مناسبة لكي يفهم بعض اللاعبين على الحبلين وأصحاب المواقف الرمادية من دول وأنظمة وتجمعات أن المملكة المغربية لن تدخل معهم في شراكات تجارية أو اقتصادية طالما أنهم يتجاهلون أو يتجنبون الاعتراف بمغربية الصحراء حماية لمصالحهم مع أطراف أخرى. وعلى الذين ألغوا الاتفاقية الفلاحية مع المغرب بسبب موقفهم من الصحراء أن يتأملوا هذا الموقف جيدا وأن يبنوا عليه قراراتهم المستقبلية، فالمغرب لا يقبل التعامل معه بوجهين.  

إن المغرب ليس لديه الوقت لكي ينجر وراء الاستفزازات الصبيانية والغبية التي احترفها النظام العسكري الجزائري منذ مدة في محاولة يائسة لجر المغرب إلى حرب عبثية تهدد السلم والأمن في حوض البحر الأبيض المتوسط. 

ولذلك ركز الخطاب الملكي على التنمية والاستثمارات التي تشهدها الأقاليم الصحرواية، داعيا الدول التي لازالت لم تنخرط في هذه الدينامية للمسارعة بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه والمساهمة في تنميتها ضمن منطق رابح رابح. 

والعالم الآن بأسره يرى الصورة كما هي دون روتوشات أو أكاذيب، فالمنتظم الدولي يرى الفرق بين ما هي عليه الجزائر وصحراؤها القاحلة وبين ماهو عليه المغرب وصحراؤه وكيف تحولت الفيافي القاحلة إلى مدن ببنيات تحتية تنافس كبريات المدن وبدخل فردي يفوق نظيره في المدن المغربية الداخلية. 

والسؤال الذي يخيف طرحه النظام العسكري الجزائري هذا ما ربحته الجزائر من وراء 46 عاما من الحرب على مصالح المغرب؟ 

الجواب مفزع ومدمر. فقد ربحت اقتناع الدول الأوروبية بأن العسكر هم من يحكم في الجزائر وليس المدنيين، وقد عبر عن ذلك أمس صراحة ماكرون وعبرت عنه ألمانيا وإسبانيا اليوم. وما شروع المحكمة العليا في إسبانيا في محاكمة رجل أعمال بسبب الاشتباه في تلقيه رشاوي من جنرالات جزائريين سوى بداية لحملة قضائية للحجز على ثروات الجنرالات المودعة في البنوك الأوربية. 

أخطر الأشياء التي ربحتها الجزائر من وراء عدائها السافر للمغرب هو اعتراف الأوروبيين باقترافهم خطأ استراتيجيا وتاريخيا عندما قبلوا برهن مستقبلهم الطاقي بدولة كالجزائر يقودها جنرالات متقلبي المزاج وعديمي المسؤولية لا يمكن التكهن بردود أفعالهم. 

هذا الأمر قاد مباشرة لاصطدام النظام العسكري الجزائري بالقوى الدولية، على رأسها إسرائيل وأمريكا والاتحاد الأوروبي والدول العربية. أي أن الحقد الجزائري على المغرب أورثها عزلة إقليمية وقارية ودولية. 

المغرب اليوم يجني ثمار إدارته الحكيمة لهذا الصراع المفتعل، بحيث أن الجزائر تصطدم اليوم بسبب قرار ايقافها لإمدادات الغاز إلى إسبانيا مع الاتحاد الأوروبي، وهو الاصطدام الذي كشف عورة النظام الجزائري أمام العالم. 

قرار إيقاف إمدادات الغاز الجزائري لإسبانيا هو أخطر قرار اتخذه العسكر وهناك احتمال كبير أن يكون سببا مباشرا في انقلاب عسكري سيعيد ترتيب الأوراق في قصر المرادية. لقد تحول النظام العسكري الجزائري إلى عامل عدم استقرار ليس في منطقة شمال أفريقيا وحدها بل في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط برمتها، وها قد حان الوقت لعزله حتى لا يرتكب المزيد من الكوارث.  

*رشيد نيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *