*حسن البصري

بحث رجل أمن برتبة ضابط، عن مرحاض عمومي في محيط ملعب مركب محمد الخامس فانتصبت في وجهه علامة “مغلق”، تسلل إلى مقهى في محيط الملعب فاكتشف أن مرحاضها مغلق وأن بداخله شخص يملك إقامة طويلة، ركض داخل مرافق المركب الرياضي والناس منشغلون بمعركة الديربي، فتبين له أن المراحيض المفتوحة توجد في مستودع ملابس الفريقين وطاقم التحكيم، والباقي مغلق إلى يوم ينجلي “الوي كلو”، ولأن مكانته الاعتبارية تمنعه من التبول على الحيطان فقد اضطر لتصريف السائل في قنينة ماء ورمى بها في القمامة، والعهدة على الراوي، ولأنه يعاني من داء السكري فقد التمس لنفسه عشرات الأعذار.

في زمن التدبير المفوض أضحى الملعب تحت تصرف شركة “كازا أميناجمون” والفرجة الكروية تحت وصاية “كازا إيفنت” والمراحيض من اختصاص “كازا أونفيرنمون”، وليس للدولة سوى الأمن وللجامعة طاقم التحكيم.

في زمن شركات التنمية المحلية سنستيقظ يوما على خوصصة شاملة لمباريات الكرة في مدينة من حجم الدار البيضاء، حيث ستتخصص شركة “كازا بيبليك” في اختيار الجمهور المناسب للمباراة المناسبة، بتنسيق طبعا مع “كازا طراسبور” التي ستؤمن النقل و”كازا كاسكروت” التي ستتكفل بالوجبات السريعة.
لكن ملعب الدار البيضاء بجلالة قدره يعاني من أزمة مراحيض، حتى في فترة إغلاقه لم يفكر القائمون عليه في الاعتناء بهذه المرافق التي تشكل نقطة سوداء خاصة في المباريات العالية الضغط. نادرا ما تجد مراحيض تحفظ للمتفرج كرامته، بل لا توجد دورات مياه خاصة بالنساء، وحدهم اللاعبون والمدربون والحكام وعلية القوم هم الذين يستفيدون من امتياز خدمة “الكانيف”.

حتى المراحيض التي تتوفر عليها الملاعب الجديدة التابعة لشركة سونارجيس، صممت وفق مقاربة جديدة، ترمي إلى تعميم التبول “على الواقف”، وبناء دورات مياه بأبواب قصيرة، وفي ذلك حكمة تجعل المستفيد من الخدمة يستعجل أمره لأنه يشعر بأنه مكشوف.

ورث مجلس مدينة الدار البيضاء الحالي عن سابقه مراحيض عمومية مغلقة وأخرى متوقفة الأشغال، كما ورث ملعبا بدورات مياه صممت على مقاس النخب، أما جمهور الفيراج فسيكون أمام امتحان الصبر إذ بمستطاع المتفرج “المزحوم” أن يقضي حاجته الطبيعية في أقرب موقف سيارات.

لقد كان وزير التربية الوطنية الراحل محمد الوفا، وفيا لعادة المداهمة السرية للمؤسسات التعليمية، فلا يدخل الأقسام قبل جولته الاعتيادية للمراحيض، وأول ما يسأل عنه المدراء هي حالة “الطواليت”، لأنها أساس البرنامج الاستعجالي.

لكن يبلغ انحطاط الذوق بالبعض عندما يكتبون على أبواب وجدران المراحيض عبارات تمجد هذا الفريق أو ذاك، ويبلغ العبث أعلى مستوياته حين يختار المرء كتابة رسائل لمحبوبته في فضاء التخلص من القاذورات.

من هنا خرج مئات أدباء دورات المياه الذين أبدعوا في كتاباتهم على الأبواب، إذا وجدوا مساحة فارغة لنقش رسائلهم وهم يجمعون بين جهد الكتابة وجهد إفراغ شحنات ذاتية، في مطرح ضيق يتيح فرصة الاختلاء بالنفس ويضمن الحد الأدنى من حرية الرأي.

ولأن الأبواب الخلفية للمراحيض هي “فهرس” أخلاق الشعوب، فإن المرافق الصحية القليلة المتوفر في الملاعب تكشف عن حجم السب والشتم المختفي وراء الأبواب، وعن إبداعات أدباء هذه الفضاءات الذين يدخلونها مكرهين ويغادرونها آمنين مطمئنين، بعد أن سددوا رسوم البطنة.

هكذا أصبح المرحاض العمومي في المغرب منبر من لا منبر له.

*كاتب صحفي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *