حسن البصري
لم ينعم رئيس الجامعة الملكية المغربية للمصارعة بفرحة انتخابه عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي، لم يستمتع بحلاوة الظفر بكرسي في انتخابات بلغراد، وهو الخارج مكسور الوجدان من تجربة انتخابات جماعية، فقد حمل هاتفه خبر فرار مصارعين من عناصر المنتخب المغربي، واختفائهما في تلابيب ليل العاصمة الصربية البهيم.
لم يترك البطلان الهاربان رسالة أو وصية، بل تركا جوازي سفرهما في دولاب مسؤول ظل يعتقد أن حجز الجوازات يكفي لوضع الأبطال تحت الحراسة النظرية، لكن هروبهما بعثر أجواء التركيز وجعل “الحريك” وجبة حساء مسائية للبعثة.
لم يطق المصارعان الصبر على صبرهما، بعد انبسطت دروب العاصمة الصربية على عيونهما، وابتلعتهما القلعة الدائرية الحصينة حين اختارا الفرار. في هذه المدينة “لي ما حرك يتنزه” لذا كان من الصعب على الصمود أمام جاذبية بلغراد.
أعلنت حالة استنفار في مقر إقامة الفريق الوطني وخضع ما تبقى من مصارعين لاستنطاق لا يفيد البحث، كما توصلت السفارة بشكاية تدين أطرافا بالضلوع في رسم خطة الهروب. وفي اليوم الموالي أعلن رئيس الجامعة الملكية المغربية للمصارعة مسؤولية جهات مناوئة، وقال إنها تمارس مهنة الاتجار في البشر والبطل، ووعد بالكشف عن خيوط “عصابة” تغرر بالمصارعين وتقدف بهم خارج الحلبة.
حتى لا يتحول مقر إقامة المنتخب المغربي في بلغراد إلى مكتب هجرة، اتخذ رئيس الجامعة قرارا يقضي بمنع ثلاثة مصارعين مغاربة كانوا يستعدون للسفر إلى صربيا، وأعلن وقف الرحلة القادمة إلى بلغراد والاكتفاء بمشاركة المصارعات المغربيات فقط، فالثقة هنا في عتيقة فقط، أما الذكور فقد ظهرت عليهم أعراض الهجرة السرية.
في هذا القرار المتخذ من طرف رئيس جامعة المصارعة فيه نوع من “المسارعة” وحكم مسبق على نوايا أبطال يحملون قميص الوطن، فلا أحد يرحل عن وطنه إلا إذا كان للوطن فم قرش.
لكن ليست بلغراد هي المدينة الوحيدة التي شهدت فرار المصارعين وليست جامعة المصارعة هي الدار الوحيدة التي يهرب من عرسها القطط. فكثير من عواصم أوربا تشهد على إنجازات أبطالنا في الركض خارج الأسوار من فيينا وطراغونا وبودابيست وروما ودوسلدورف ولشبونة وغيرهم من العواصم الشاهدة على قصص اختفاء مثيرة، بل إن عمليات الهروب شملت رياضات عديدة أبرزها المصارعة والملاكمة وفنون القتال والكرة الطائرة، إلى درجة أن عدد الفارين يشكلون وفدا رياضيا بالتمام والكمال.
مع كل خبر اختفاء يظهر بلاغ ناري تحمل فيه الجامعات مسؤولية الهروب لفاعل مبني للمجهول، ويبحث المسؤولون عن مبررات للهجرة فيها كثير من الكذب الصادق، رغم أنهم يعلمون علم اليقين أن البطل الذي أطلق ساقيه للريح لا يتوفر على الكمية الكافية من تعبئة الكرامة في ناديه ومنتخب بلاده.
يقول بطل “حرك” في زمن ما قبل العصر البيومتري، “لأنني أمارس المصارعة الحرة فأنا حر في اختياراتي”، وقال بطل ملاكمة سابق: “اخترت الهجرة السرية لأنني أرفض أن أظل محصورا في وزن الذبابة”. في الهجرة لا تستطيع أن تدعي امتلاكك لشيء ما، فأنت لا تملك سوى حلمك وهاتفك المحمول وطيف والدتك.
