تقرير اخباري: عبدو المراكشي

بمناسبة انعقاد المنتدى الثالث للمحامين المغاربة المقيمين بالخارج، تنظم الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، يومي 8 و9 فبراير 2019 في مراكش، ندوة حول “مدونة الأسرة على ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية”.

وتأتي هذه الندوة، التي ستنظم بشراكة مع وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وجمعية هيئات المحامين في المغرب، في إطار تنزيل إستراتيجية الوزارة الرامية إلى حماية حقوق ومصالح مغاربة العالم داخل وخارج أرض الوطن، وتعبئة كفاءاتها في الخارج وإشراكها في الدينامية التي يشهدها بلدهم الأصل.

وتندرج الندوة، كذلك، في سياق النقاش الدائر حول تعديل مدونة الأسرة، والذي شكلت الرسالة التي وجهها الملك محمّد السادس إلى المشاركين في أشغال المؤتمر الإسلامي الخامس للوزراء المكلفين بالطفولة، بتاريخ 21 فبراير 2018 منطلَقا أساسيا للتفكير في مداخل هذا الإصلاح، باستحضار ما واكب التجربة العملية لتطبيق هذا النص من صعوبات، وما أبانت عنه من نقائص.

 

استحضار روح الرسالة الملكية

 

قال الملك محمد السادس في رسالته إلى المشاركين في المؤتمر الإسلامي المشار إليه “عملنا على تعزيز تماسك الأسرة، من خلال اعتماد مدونة متقدمة للأسرة، تراعي المصلحة الفضلى للطفل وتصون حقوقه، في كل الظروف والأحوال، داعين إلى مواكبتها بالتقييم والتقويم، لمعالجة النقائص التي أبانت عنها التجربة”.

وتابعت الرسالة الملكية “إذا كان تطبيق نصوص مدونة الأسرة، التي مر على دخولها حيز التنفيذ ما يزيد عن 14 سنة، يفرض وقفة تأمل لرصد المكتسبات وتقييم مسار التجربة، بغية تحديد مداخل الإصلاح المنشود، فإن الرهان معقود على تبنّي قراءة تستحضر أبعاد وآثار هذا التطبيق بدول الاستقبال، ذلك أن معيار نجاح أي نص مثل قانون الأسرة لا يتوقف بالضرورة على ملامسته للإشكالات ذات الطبيعة الوطنية، بل بقدرته على الانسجام والصمود أمام أي اختبار لمقتضياته داخل الأنظمة القانونية الأجنبية. وقد كانت السمة الأساسية التي طبعت مقتضيات مدونة الأسرة ذات الصلة بالمغاربة المقيمين في الخارج تصبّ في إطار فلسفة التيسير وتبسيط الإجراءات ورفع الحرج”.

إستنادا إلى ذلك، لم يكن صدفة اختيار موضوع هذه الندوة، الذي يقارب قانون الأسرة المغربي على ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية، وهي مزاوجة تروم استحضار آفاق تطبيق هذا النص في الخارج وقدرته على الصمود، وكذا الكشف عن موقف القضاء المغربي بخصوص آثار الأحكام الصادرة عن محاكم وسلطات دول الاستقبال الإدارية في المادة الأسرية.

كما يستحضر في هذا المجال دور الاتفاقيات ذات الصلة بالميدان الأسري في إيجاد حلول لبعض الإشكالات المستعصية، والتوفيق بين مختلف الأنظمة القانونية المتباينة، سواء تلك المبرمة على الصعيد الثنائي، أم متعددة الأطراف.

 

اختلاف من أجل التكامل

 

يجعل اختلاف المرجعية المتحكمة في ميدان الأسرة بين الأنظمة الإسلامية عموما، وبين الأنظمة العلمانية بتبني الأولى حلولا ذات مرجعية دينية عقَدية في العديد من المواضيع الأسرية، وباستبعاد الثانية أي تمييز أساسه ديانةُ أو جنس الشخص وإعطاؤها نوعا من التقديس المفرط لمفهوم الحرية الشخصية وتصورا مثاليا للمساواة بين طرفي العلاقة الأسرية، الأسرةَ المغربية في دول الاستقبال تعيش تأرجحا بين هاجس الحفاظ على هويتها وثقافتها الوطنية، وسياسة الإدماج والاستيعاب التي تمارسها سلطات بلد الإقامة.

وفي هذا السياق، استحضرت الرسالة الملكية أن “ما شهدته تشريعات القانون الدولي الخاص -خاصة الأوربية- من تطورات في السنوات الأخيرة ساهم بشكل كبير في التأثير على المجال الذي كان مخصصا في الماضي للقانون الوطني للأجنبي كضابط للإسناد في المادة الأسرية، إذ شهد تراجعا لافتا لفائدة ضابط الموطن والإقامة الاعتيادية، واتساع رقعة حرية اختيار القانون الواجب التطبيق في هذا النوع من القضايا، أو ما يسمى “سلطان الإرادة”، ما يعني تضييق مجال تطبيق قانون الأسرة المغربي على المواطنين المغاربة في الدول المعنية”.

وبحسب المصدر ذاته، فقد “برزت توجهات جديدة للاجتهاد القضائي لدى غالبية الدول الأوربية، عملت على استبعاد الأحكام والعقود الصادرة عن المحاكم المغربية، مستندة في ذلك إلى مفهوم مشوه لآلية النظام العام الدولي، لا يخلو من نزعة عدائية. وقد ساهم في هذا التحول دخول الدول الأوربية في “معاهدة أمستردام”، إذ تم تبني عدة تغييرات جوهرية في حقل القانون الدولي الخاص، بإبرام عدة اتفاقيات في إطار ما سمي “بروكسيل1″، و”بروكسيل2″. كما أغنت الاجتهادات الصادرة عن محكمة العدل الأوربية، والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان هذا الفرع القانوني المهم، وكان لها بالغ الأثر في تغيير العديد من توجهات المحاكم الوطنية في الموضوع”.

 

تنازع القوانين والاختصاص القضائي الدولي

 

أثرت هذه المعطيات بكيفية مباشرة في قواعد تنازع القوانين، والاختصاص القضائي الدولي ومفهوم النظام العام الدولي. وأصبحت بعض المبادئ المؤطرة للموضوع، والتي كانت تعد إلى وقت قريب من الأمور الجوهرية، مجالا لتحولات جوهرية في بنيتها وحمولتها القانونية.

ويفرض هذا الوضع على المشرّع المغربي خلق آليات جديدة ونهج سياسة أكثر انفتاحا من أجل التعامل مع الظروف المستجدة، بالكيفية الذي يراعي الإكراهات وتسهم في ضمان استمرار الوضعيات القانونية بكيفية انسيابية، ودون عراقيل.

ويتطلب هذا الأمر إعادة النظر في المنظومة المتعلقة بآثار الأحكام والعقود الأجنبية، بالشكل الذي يضبط حدود الاعتراف، وحالات إلزامية سلوك مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية، ومجال مراقبة السلامة الدولية للأحكام وتجلياته.

 

أبرز المشاكل المطروحة

 

“سيكون لنتائج هذه الندوة بالغ الأثر على صياغة توصيات تساهم في تخفيف عبء المشاكل التي تواجهها شريحة من مواطنينا المقيمين بالخارج”، تقول الرسالة الملكية. ولعل أبرز هذه المشاكل التي توقفت عْندها الرسالة الملكية السامية تتجسد في ما يلي:

1- آثار الأحكام والعقود الأجنبية في المادة الأسرية على ضوء الاتفاقيات الدولية، وينصب هذا المحور على مناقشة الإشكالات التي يفرزها الواقع العملي بخصوص موقف السلطات القضائية والإدارية من الأحكام والعقود الصادرة في المادة الأسرية، والإشكال الذي يعد مبعثه عدم التمييز بين مفهوم الاعتراف والقوة الثبوتية التي تكتسيها الأحكام والعقود الأجنبية، وبين الحالات التي تعد فيها المسطرة السابقة إلزامية، وهي التي ترتبط بشكل وثيق بالحالات التي يراد من خلالها ترتيب أثر تنفيذي لذلك الحكم أو العقد، والتي قد تستوجب وسائل التنفيذ الجبري.

تبعا لذلك، سيتم التطرق للزواج والطلاق وآثارهما، من خلال مقاربة المادتين الـ14 والـ15 من مدونة الأسرة، بتحديد الإشكال الناجم عن المقصود بالإجراءات الإدارية المحلية لبلد الإقامة المنصوص عليها في المادة الـ14 والإشكالات التي يمكن أن تطرحها الشروط الموضوعية، وخاصة ما يتعلق بشرط انتفاء الموانع، كزواج المسلمة بغير المسلم، والمسلم بغير الكتابية، وكذا شرط الشاهدين المسلمين، وتحديد قصد المشرع بعملية الإيداع المنصوص عليها في المادة الـ15، هل المقصود بها إيداعا إداريا أم قضائيا؟ وما الآثار المترتبة عن عدم احترام الإجراءات المنصوص عليها في المادة المذكورة.

يضاف إلى ما سبق مسألة تدبير الأموال المكتسبة والأوضاع المالية للزوجين والأطفال، خاصة بعد انتهاء الرابطة الزوجية، وما تثيره من صعوبات قانونية قد تفرز بعض الأوضاع الاجتماعية المأساوية، وما تطرحه من إشكالات سيما في حالة وجود أموال بالمغرب.

كما يطرح طلاق المغاربة في الخارج العديد من الإشكالات، كتلك المتعلقة بتنازع الاختصاص القضائي الدولي، وكذا الاختصاص التشريعي، وحدود استقبال الأحكام الصادرة بإنهاء العلاقة الزوجية في البلد المعني، والتطرق للمستجد الذي ورد في مدونة الأسرة في المادة الـ128، وهو مقتضى تشريعي مهمّ من شأن حسن استيعابه التعامل بمرونة كبيرة مع الأحكام الأجنبية ذات الصلة بإنهاء العلاقة الزوجية لأطراف مغاربة.

وسيتم التطرق أيضا للصيغ الجديدة لإنهاء العلاقة الزوجية غير القضائية التي تبنّتها بعض الأنظمة الأوربية، كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وحظوظ الاعتراف بها فوق التراب المغربي، وهل تطرح إشكالا على مستوى تذييلها بالصيغة التنفيذية بالنظر إلى طبيعتها.

 

2- حماية الطفل في ضوء الاتفاقيات الدولية

 

تكتسي حماية الطفل بالغ الأهمية، خاصة إذا تم استحضار مقتضيات الاتفاقيات الدولية، والتي نظمت جانبا لا يستهان به من هذه الحماية.

 

وتثير في هذا الصدد قضايا الحضانة العديد من الإكراهات، الناجمة أساسا على اختلاف القواعد المؤطرة للموضوع بين اعتماد قواعد موضوعية مسبقة لتحديد مستحقيها، واعتماد مصلحة الطفل الفضلى كمحدد أساسي لإسنادها، إضافة إلى دور اختلاف جنسية الأبوين في تأجيج الصراع في بعض الأحيان، واستعمال الحدود بين الدول كدافع لنقل الأطفال بشكل غير مشروع، وهو الموضوع المنظم بمقتضى اتفاقيات ثنائية، واتفاقية لاهاي لـ25 أكتوبر لسنة 1980. وعموما فحضانة الأطفال في إطار الروابط الدولية الخاصة لا تزال مثار العديد من المنازعات، خاصة ما تعلق بالقانون الواجب التطبيق على الحضانة في الزواج المختلط، واستبعاد هذا القانون الأخير بسبب مخالفته للنظام العام الدولي.

 

كما يُطرح مشكل زيارة الأطفال العابر للحدود تحديا على سلطات الدول المعنية، تتعلق أساسا بحدود الاعتراف بالسند المنشئ لهذا الحق، وتيسير الإجراءات الإدارية لممارسته في أفضل الظروف.

وبدوره، ورغم ما توفره اتفاقية لاهاي لسنة 1996 من آليات للتعاون بين الدول في هذا الصدد، وإرسائها مبدأ الاستشارة القبْلية المنصوص عليه في المادة الـ33، لا يخلو موضوع كفالة الأطفال المغاربة المهملين من طرف أسر مغربية مقيمة في دول المهجر أو أجنبية من المشاكل.

وتتمحور هذه المشاكل أساسا في حق الطفل المكفول في الولوج لدولة كافليه بدون عراقيل، واستفادته من التجمع العائلي، وضمان استمرار وضعيته القانونية في دول الاستقبال، واستفادته من المساعدات الاجتماعية، وضمان تتبع وضعيته.

وفي ما يخص موضوع النفقة، يطرح مشكل ازدواجية الأحكام أو المطالبة بالنفقة بين دولة إقامة الملزم، وبلده الأصل، إذ غالبا ما يتم رفع الدعوى بين محاكم البلدين لأداء نفس المبلغ المطالب به، وهو ما تصدت له محكمة النقض المغربية بإعطاء حجية للوقائع المضمنة بالحكم الأجنبي المثبتة للحكم بالنفقة أمام القضاء المغربي، دون اشتراط لتذييلها بالصيغة التنفيذية.

ويشكل استيفاء النفقة في الخارج، في هذا السياق، إحدى الإمكانات القانونية لحمل الملزم بالنفقة على أداء ما بذمته، عبر إرساء آليات للتعاون في هذا الصدد بين الدول المعنية سواء الطرف في إطار اتفاقية ثنائية، أو في إطار اتفاقية نيويورك لسنة 1956.

 

مشاركة وازنة

 

بادرت الوزارة، لمناقشة كل هذه الإشكالات وتذليل الصعوبات المثارة، إلى تنظيم هذا اللقاء، الذي سيعرف مشاركة عدد من المختصين والباحثين. فإلى جانب مشاركة المحامين المزاولين بالمغرب ونظرائهم في الخارج، سيعرف هذا اللقاء، مشاركة قضاة عن رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية وممثلين لوزارة العدل وباقي القطاعات الوزارية والمؤسسات المتدخلة في هذا المجال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *