حسن البصري

لا حديث في وسائل الإعلام الأرجنتينية إلا عن تصريحات ماتياس مورلا محامي نجم الكرة العالمية الراحل دييغو مارادونا، الذي اتهم عائلة الفقيد بسوء رعايته في فترة مرضه، وعاتب نجلتيه لإصرارهما على إخراجه من المصحة قبل الأوان.

لم تتوقف خرجات المحامي، بل إنه كشف عن وصية غير متوقعة تركها النجم الذي رحل في مثل هذا الشهر من العام الماضي عن عمر ناهز الستين عاما، تطالب الدولة الأرجنتينية بتحنيط جسده ليعرض للجمهور في أحد المتاحف إلى جانب الجوائز والتذكارات وما تقى من أمتعته.

أما فيرونيكا أوخيدا خليلة مارادونا فقد شرعت في بناء ضريح لنقل الجثمان إلى جوفه، كي يصبح مزارا للسياح من كل بلدان العالم، وللاعبين الناشئين الذين سيتهافتون على الضريح ابتغاء بركات الولي الصالح سيدي دييغو نفعنا وإياكم بعطاياه.

أثناء استضافة ماردونا في برنامج “لا نوتشي ديل 10” قبل سنوات، سأله الصحافي عن وصيته لحفار قبره، فرد دييغو وقد جثم على جفنه الألم، وعلت وجهه تقاسيم الحزن: “سأطلب منه أن يكتب على قبري عبارة “شكرا للكرة لأن فضلها لا يوصف”.

لكن ما أن مات أسطورة الكرة العالمية حتى نسي الناس الوصية الرمزية، وانخرطوا في جدل حول الإرث المادي، بعد أن تبين أن حياته الشخصية المضطربة أفرزت ميراثا متشابكا يصعب على الضالعين في فقه المواريث فك طلاسمه، لأنه مع مطلع صبح كل يوم يظهر ابن جديد يقول إنه من صلب الراحل، وهو يصرخ “أين بابا؟”.

أغلب نجوم الكرة المغربية لا يكتبون وصاياهم، ويكتفون بملتمسات شفوية تدعو لرعاية الأبناء والاهتمام بهم، نذكر بكثير من الأسى وصية اللاعب السابق للمنتخب المغربي والرجاء البيضاوي في ستينيات وسبعينات القرن الماضي، محمد جرير الملقب بـ”حمان” حين توفي في مدينة بوسطن الأمريكية ودفن في مقبرة إسلامية، والذي قال قبل رحيله: “رجاء ادفنوني في البلد الذي رعاني”.

في غفلة من الجميع اتخذ “معيزو” القرار الذي لا رجعة فيه، وشد الرحال إلى الولايات المتحدة في رحلة علاج طويلة في ضيافة فلذات كبده. هناك انقطع خط التواصل مع محيط الكرة، وتحول إلى ناسك متعبد في مسجد بوسطن.

حمان الذي لعب للرجاء البيضاوي سنوات عديدة وأشرف على تدريب هذا الفريق قبل أن يعتزل الكرة، اختار الاغتراب القصري وعاش محنته مع المرض بعيدا عن الوطن، وحين أسلم الروح لبارئها ضرب المغاربة كفا بكف وقالوا “يا ليتنا كرمناه وهو حي يرزق”.

تحركت جامعة لقجع بعد أن علمت بموت جرير، حاولت استدراك غلطة نسيان نجم المنتخب، لكن ابنة الفقيد رفضت مقترح ترحيل جثمانه إلى المغرب، وعاتبت جامعة مارست في حق الراحل أعلى نسبة من الجحود وكأن الأمر يتعلق بجرير الشماخ قاتل إدريس الأول، وليس بجرير حمان.

ونظرا لمكانة الفقيد في الكرة العالمية، فقد أورد الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم تعزية باسم أسرة الكرة العالمية في فقدان مسجل أول هدف في تاريخ المنتخب المغربي في نهائيات كأس العالم، وقالت “المجتمع الكروي يفقد نجما مغربيا في هدوء”.

لا يوصي اللاعبون المغاربة بطبع مذكراتهم، لأنها ماتت مع أصحابها، لا يوصون بتخليد أسمائهم ووضعها على ملاعب في ملكية المجالس المنتخبة، ولا يستنفرون العلماء الضالعين في علم المواريث لتوزيع الممتلكات، لأنهم لا يملكون إلا حب الناس. حتى أبناءهم يعلمون علم اليقين أن كل ما ورثوه عن آبائهم أمراض الربو والصلع وداء السكري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *