محمد سعود*

كثر الجدل حول الأصل الحقيقي لوالدة ليوناردو دافينشي، التي كانت تدعى كاترينا دون اسم عائلي، ما يؤكد أنها كانت من أسرة فقيرة. ويتفق الكثير من الباحثين على أنها كانت فلاحة بسيطة جدا ويتيمة الأبوين. التقى بها والد ليوناردو، سر بييرو دافينشي (Ser Piero da Vinci) الذي كان موثقا من أسرة ارستقراطية، فأنجب منها هذا الابن. ولكونه ابنا غير شرعي تم تسليمه إلى زوجته ألبيرا دى جوفاننى أمادوري (Donna Albiera Amadori) التي منحته كل العطف والحنان لأنها كانت دون أبناء.

قبر دافنشي

وإذا رجعنا إلى أصل والدته كاترينا كان الكثيرون يظنون أنها بيعت في سوق النخاسة وتمت قرصنتها مع عائلتها قرب السواحل التونسية أثناء النشاط التي عرفته عملية القرصنة في البحر الأبيض المتوسط. ومن بين من كانوا ضحية القرصنة نجد المؤرخ المشهور الحسن الوزان، المعروف بليون الإفريقي. كانوا يظنون أن أصولها تعود إلى شمال إفريقيا. وخلص مارتين كيمب، أستاذ تاريخ الفن في جامعة أوكسفورد، في بحث أجراه مؤخرا، إلى أن كاترينا فعلا فلاحة بسيطة ويتيمة، لكنه أتى باسمها الكامل، وهو كاترينا دي ميو ليبي (Caterina di Meo Lippi) والاسم العائلي يرجح أصولها الإيطالية رغم أن الأسر الفقيرة لم تكن تتوفر على أسماء عائلية. كما كشف كيمب، في بحثه، أن زوج موناليزا كان يمتهن تجارة نخاسة النساء، إضافة إلى التجارة في مواد أخرى.

ولكثرة ولع مؤرّخي الفن والمختصين في أعمال دافينتشي، تمت الاستعانة بآثار البصمات التي تركها على بعض لوحاته، ومنها بصمة كاملة بإبهامه الأيسر (كان دافنشي يرسم ويكتب باليد اليسرى) ومتطابقة مع بعض أجزاء البصمات التي عثر عليها على لوحات أخرى وأكد صحتها العالم الكندي بول بيرو، المختص في البصمات التي توجد فوق الأعمال الفنية، والتي أصبحت طريقته فعالة في الكشف عن الأعمال الفنية الأصلية والمزورة.

وتعدّ هذه البصمة، حسب البروفيسور لويدجي كاباسو، مدير قسم الأنثروبولوجيا في جامعة كييتي (Chieti) البصمة الوحيدةَ الكاملة التي تركها دافنتشي. وبعد تحليل هذه البصمة في مختبرات مختصة، ثم مقارنتها ببصمات شعوب أخرى، وجدوا أنها تشبه بصمات الشعوب العربية، ما قوّى فرضية تعرّض والدة دافنتشي للقرصنة. وفي انتظار صدور نتائج أبحاث علمية دقيقة أنجزها فريق من العلماء انطلاقا من عظام دافنتشي وبعض مخلفاته للاحتفال بذكرى مرور 500 سنة عن وفاته، ستنكشف الكثير من الحقائق حول هذا الفنان النابغة.

*فنان تشكيلي وناقد فني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *