مجلس المستشارين : بعثة le12

دعا رئيس مجلس المستشارين، حكيم بنشماش، اليوم الخميس، إلى تخويل البرلمانات الوطنية أدوارا ريادية  في مجال تدعيم  مبادرات ومسارات المصالحات، والحد من الأزمات الداخلية والنزاعات وفق مقاربة استباقية، وانسجاما مع الأنظمة الدستورية والقانونية الخاصة بكل بلد، بدءا بالاستشارات الوطنية لإطلاق مسارات العدالة الانتقالية ومرورا بمساهماتها التشريعية، ولاسيما في سن القوانين ذات الصلة وتفعيل أدوارها الرقابية وخاصة المتعلق منها بلجان تقصي الحقائق، وانتهاء بالمساهمة في متابعة مخرجات هيئات الحقيقة والمصالحة ذات الصلة بالإصلاحات المؤسساتية وتأهيل منظومة العدالة وضمانات عدم التكرار .

وأبرز بنشماش، في مداخلته بمناسبة انعقاد الندوة الدولية حول المصالحات الوطنية المنظمة من طرف مجلس المستشارين، أنه إضافة إلى الأدوار الحاسمة للبرلمانات الوطنية في سن وتجويد القوانين أو مشاريع قوانين أو مقترحات قوانين ذات الصلة بالعدالة الانتقالية، فالمعول عليها هو تعزيز سعي البرلمانات الحثيث إلى المساهمة في استرجاع الثقة وإعادة ترميم النسق السياسي بعد سنوات من التمزق الحاصلة عن النزاعات، والذي لن يتأتى إلا بإذكاء الوعي والتفكير الجماعي لاقتراح إصلاحات والمساهمة في تقييم ما حصل من إصلاحات في مرحلة الأزمة وفي مرحلة الانتقال واستشراف المستقبل؛ من جهة، وفي جعل المؤسسة البرلمانية ليس فقط فضاء للبوح العمومي ولكن أيضا مجالا للحوار المجتمعي الحر والمفتوح وآلية استباقية لاحتواء الأزمات والإنذار المبكر بإمكانات حدوثها، من جهة أخرى، على اعتبار أن البرلمان هو امتداد طبيعي ومؤسسي لساحات التداول الشعبي بشأن القضايا المؤرقة والمشاكل التي من شأنها استدامة التوترات والاحتقان الاجتماعي المهدد للسلم والاستقرار.

في السياق نفسه، أكد حكيم بنشماش فرادة وتميز التجربة المغربية في مجال المصالحات الوطنية والعدالة الانتقالية، باعتبارها تحققت في ظل استمرارية النظام السياسي وليس في ظل القطيعة معه، مؤكدا أن هيئة الإنصاف والمصالحة التي شكلها المغرب وجرى تنصيب رئيسها وأعضائها يوم 7 يناير 2004 ، فتحت الباب أمام بروز جيل جديد من هيئات الحقيقة والمصالحة باعتبارها آليات غير قضائية لتسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وأوضح رئيس مجلس المستشارين، أنه إذا كانت التجارب المؤسسة وقعت في ظل تغيرات جوهرية في طبيعة الأنظمة السياسية، ولاسيما الانتقال من الديكتاتورية إلى الحكم المدني، فإن لجنة الحقيقة المغربية تأسست في ظل استمرارية النظام السياسي نفسه، كمؤشر على أن العنصر الحاسم في استحداث آليات من هذا النوع يتمثل في توافر الإرادات وخاصة إرادة الدولة وإرادة القوى الفاعلة في المجتمع لمواجهة الماضي. وأبرز أن حصول التفاعل بين هذين الطرفين وبين المجتمع المدني بصفة عامة هو الذي ينتج صيغة من صيغ التدبير ومواجهة الماضي وفق إرادة تنبثق من عوامل سياسية ومجتمعية محددة.

واستشهد بنشماش بما قاله جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي حول التجربة المغربية المتمثلة في هيأة الإنصاف والمصالحة حين وصفها جلالته بأنها “… إنجاز من لدن شعب لا يتهرب من ماضيه ولا يظل سجين سلبياته، عاملا على تحويله إلى مصدر قوة ودينامية لبناء مجتمع ديمقراطي وحداثي يمارس فيه كل المواطنين حقوقهم وينهضون بواجباتهم بكل مسؤولية وحرية والتزام.”

وذكر أنه بعد تقديم تقريرها الختامي في نهاية نونبر 2005 والموافقة السامية عليه، أصدر جلالة الملك أوامره بتنفيذ توصيات الهيئة وتكليف المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (المجلس الاستشاري آنذاك والمجلس الوطني حاليا) بمتابعة وتتبع التنفيذ كخطوة غير مسبوقة في التجارب الدولية السابقة.

وفي سياق تقديم التجربة المغربية في مجال المصالحة الوطنية، أكد بنشماش أن خبراء وخبيرات المجلس الوطني لحقوق الإنسان والأعضاء السابقين لهيأة الإنصاف والمصالحة ” سيقدمون ما يكفي من بيان عناصر فرادة التجربة المغربية في هذا المجال، ولاسيما تحقيق أهداف إستراتيجية غير مرئية قوامها تجنيب بلادنا الويلات والمآسي، ولاسيما الانتقالات الدموية التي مازالت ترخي بضلالها على محيطنا القريب، وذلك بفضل الرؤية الاستباقية والاستشرافية والريادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، ليس فقط بتفاعله مع انتظارات ومطالب المجتمع الآنية ولكن بسياسته المقدامة لمواجهة ماضي الانتهاكات الحقوقية وأعطاب الحكامة الاقتصادية والمؤسساتية قبل عقدين من الزمن”. ونوه بنشماش بالمجهود المبذول من قبل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي مازال مستمرا، لاستكمال تسوية الملفات العالقة.

ونبه بنشماش، انطلاقا من استقراء التجارب العالمية، إلى أنه لا يقصد بالمصالحة، الصلح بين طرفين بين الفرد والجلاد أو بين الفرد والمسئول عن الانتهاك، فموضوع الصفح وطلب الاعتذار أو السماح شأن يهم الأفراد، في حين أن المقصود عادة في الانتقالات السياسية بالمصالحة هو المصالحة السياسية والاجتماعية، وغالبا ما تسبق المصالحة السياسية الأشكال الأخرى من المصالحة. ومن بين أبرز أشكال هذه المصالحات هو فتح النقاش الصريح والواسع النطاق حول حقيقة ما جرى ولماذا جرى وخاصة ما يتعلق بالاستهتار بالحقوق والتمزق الثقافي وإنكار التاريخ وتشويه الذاكرة الجماعية.

وشدد على أن العمل المحوري الذي تقوم به لجان الحقيقة لا يتعلق فقط بكشف الحقائق كحقائق مجردة حول الانتهاكات وكافة أشكال القمع، ولكن في النفاذ إلى جوهر الأمور عبر تفسير هذه الانتهاكات كنمط من أنماط القمع وكوسيلة من وسائل تدبير الشؤون العامة في مرحلة معينة، لأن النقاش حول الأسباب يؤدي إلى إثراء الثقافة السياسية وإلى الوعي بالذات وإلى التماثل مع التاريخ المشترك الذي يجمع شعبا أو وطنا؛ لأن إحياء الذاكرة وترميمها من شأنه السماح بإغناء -كما جاء مثلا في نص الظهير الشريف المحدث لهيئة الإنصاف والمصالحة- المساهمة في تنمية وإشاعة مقومات المصالحة. فالمصالحة في آخر المطاف هي نتيجة ومسارات منها مسار الحقيقة ومسار الديمقراطية ومسار ترسيخ ضمانات عدم تكرار ما جرى ومسار استرجاع الثقة، ومن تم فهي محصلة كل هذه المسارات ولا تتأتى بمجرد الدعوة إليها.

يشار إلى أن الندوة الدولية حول المصالحات الوطنية ستنظم على مدى يومين(الخميس والجمعة) من طرف مجلس المستشارين، بتنسيق مع رابطة مجالس الشيـوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي، وبشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومكتب المفوض السامي لحقوق الانسان التابع للأمم المتحدة. وتندرج الندوة في إطار تنزيل برنامج عمل رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي والتي يرأسها رئيس مجلس المستشارين حكيم بن شماش، وهو البرنامج الذي تمت المصادقة عليه خلال المؤتمر العاشر للرابطة الذي انعقد بالمملكة المغربية يومي 20 و21 شتنبر 2017.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *