بقلم: يونس التايب
نفتخر بغيرة مواطنينا و دفاعهم عن القضية الوطنية وعن ثوابت الأمة المغربية، لكن، الواجب يقتضي التنبيه إلى أن الغيرة الوطنية تتجسد بروعة أكبر، حين تستند إلى كلام العقل والحكمة في الرأي، و المعرفة بالمعطيات الحقيقية، و الالتزام بالموضوعية و التحليل المنطقي.
في هذا الصدد، أثار انتباهي ما جرى يوم أمس، في مواقع التواصل الاجتماعي، من ضجة بشأن الخريطة التي استعملت كرمز تواصلي (Logo) في مؤتمر “مبادرة السعودية الخضراء و مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”، أغضب وضعها على حائط داخل قاعة الاجتماعات بحضور رؤساء الدول و الحكومات المشاركة، مواطنينا الذين اعتبروا أن الخريطة “اقتطعت” الصحراء المغربية عن باقي تراب المملكة المغربية الشريفة.
و يبدو لي أن هنالك توضيحات تستحق أن نقف عندها بهدوء، بعيدا عن السجال الذي يخرج الأمور عن سياقها. مبدئيا كل الإخوة و الأخوات الذين عبروا عن غيرتهم على بلادهم، مشكورين على يقظتهم و انتباههم، لكنهم مدعوين، أيضا، للتركيز مع حيثيات هامة في الموضوع، يمكن إيجازها كالتالي:
– أولا، نحن نتحدث عن لقاء دولي، هو مؤتمر “مبادرة السعودية الخضراء و مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”، و بالغة الإنجليزية Middle East Green Initiative Summit. و هو، ليس لقاء عربيا كان من الممكن تسميته “مبادرة العالم العربي الأخضر”. و بالتالي، دول منطقة الشرق الأوسط، و محورها المملكة العربية السعودية صاحبة المبادرة، هم المعنيون بمشروع المبادرة و بإشعاعها. أما حضور المغرب فمرغوب فيه، كما جرت العادة دائما في مثل تلك المناسبات الدولية، بالنظر إلى العلاقات الأخوية القوية التي تجمع بين الملك و بين خادم الحرمين الشريفين و أمراء دول الخليج، و بالنظر إلى المكانة الخاصة التي تحضى بها بلادنا لدى قيادة المملكة العربية السعودية. كما أن التجربة المغربية في مجال التحول الطاقي، ينظر إليها بتقدير كبير بعد نجاح بلادنا في تطوير قدراتها في مجال الطاقات البديلة، من خلال مشاريع عملاقة كمحطات الطاقة الشمسية و الطاقة الريحية.
– ثانيا، إذا أخذنا خريطة العالم العربي و قارننها مع الخريطة التي وضعت في “الرمز التواصلي” للمؤتمر، سنجد أنها لا تضم أجزاء كثيرة من دول العالم العربي، سواء المملكة المغربية بصحرائها، و موريتانيا، و دجيبوتي، والصومال، و سوريا، و لبنان، و حتى جزءا صغيرا من شمال العراق. و بالتالي، لا مجال لنظن أنه تم اقتطاع الصحراء المغربية من الخريطة. و من جهة أخرى، تلك “الخريطة/الرمز التواصلي” موضوع الجدل، ليست من الأصل خريطة بالمعنى الحرفي، جغرافيا و سياسيا، بقدر ما هي رسم جرافيك Graphisme مستوحى من الخريطة الأصلية، تم إخضاعه لتحويل فني artistique et esthétique، تلجأ إليه كثيرا وكالات التواصل. و على هذا الأساس لم أر أن الخريطة، بما هي رمز تواصلي، تحتمل أية قراءة تمس بتراب وطننا المجيد، و في القلب منه صحراءنا المغربية.
– ثالثا، قد شاركت في المؤتمر، شخصيات عالمية من خارج الشرق الأوسط، منها الوزير الأول الباكستاني عمران خان، و جون كيري، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي للبيئة، و مسؤولين آخرين من دول آسيوية. و لم نر في الخريطة التي وضعت في قاعة الاجتماع، و في خلفية الصورة الجماعية الرسمية لرؤساء الوفود المشاركة، لا خريطة باكستان و لا الولايات المتحدة الأمريكية و لا الدول الآسيوية المشاركة. فهل سمع أحد أنم تم الاحتجاج من طرف رواد الفيسبوك من باكستان و الولايات المتحدة الأمريكية، ضد “اقتطاع” دولهم من خريطة الرمز التواصلي الذي اعتمده المؤتمر ؟ و هل احتجت شعوب موريطانيا، و دجيبوتي، و الصومال، و سوريا، و لبنان، و العراق لنفس السبب ؟
– رابعا، أتعجب كيف تصور البعض إمكانية وجود احتمال، و لو بنسبة 0,1%، أن ينقلب الموقف الثابت و المبدئي و التاريخي للمملكة العربية السعودية الذي يدعم المملكة المغربية في كل قضاياها ، و يتم اعتماد خريطة تقصي جزءا من تراب بلادنا ؟ هل ننسينا أننا، فقط قبل أيام قليلة، كتبنا بافتخار عن الموقف الرسمي الذي عبرت عنه المملكة العربية السعودية على لسان سفيرها بالأمم المتحدة، لتأكيد الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية ضد كل تآمر أو مس بسلامتها؟ هل بدأنا نفقد ذاكرة الأحداث و المواقف المهمة، أم ماذا؟
بمعزل عن الملاحظات أعلاه، علينا أن نستوعب أن مثل تلك المؤتمرات الدولية ذات الصبغة الاقتصادية، ما يجب أن نهتم له هو الدفاع عن مصالح اقتصادنا الوطني، عبر التفاوض بمهنية و احترافية من أجل إبرام شراكات دولية قوية، و جلب استثمارات دولية بملايين الدولارات، حتى نحدث مناصب شغل جديدة لشبابنا، و مهندسينا و تقنيينا. وبطبيعة الحال، لا شيء يمنع من اليقظة لرصد أي تجاوز حقيقي فيه إساءة مقصودة، إن وجدت، و الوقوف ضده بحزم و شدة، لأن سيادتنا الوطنية خط أحمر لا تهاون بشأنه و لا تردد.
لذلك، أعتقد أنه على قدر أهمية الدفاع عن قضايانا يجب أن نهتم بضبط خطابنا التواصلي في الموضوع، و تقوية معرفتنا بمعطيات التاريخ و الجغرافيا في ارتباط بقضيتنا الوطنية، و تعميق ضبطنا لقواعد القانون الدولي بتفاصيله كي نجعله في خدمة قضايانا، و نركز على الأولويات الحقيقية من خلال وضع كل شيء في سياقه الحقيقي، و احترام منهجية الفعل الترافعي التي لا مكان فيها للانفعالات أو الآراء الانطباعية و الحماسية.
إذا التزمنا بمثل تلك السلوكات، أكيد لن يجرفنا تيار المعلومات غير الصحيحة، و سنتفادى الإساءة غير المقصودة لجوهر قضايانا الوطنية، أو لعلاقتنا مع أشقائنا و شركائنا الاستراتيجيين، من حيث كنا نعتقد أننا، بحماسنا الصادق و غيرتنا التلقائية، نحسن الصنع.