بقلم : بوشعيب حمراوي
فتحت مبادرة بعض الجمعيات بتوفير عربة للنقل المدرسي مجرورة بدابة، ملف النقل المدرسي العشوائي بالمغرب. الذي يتغذى من عدة اعتمادات من داخل قطاع الوزارة الوصية ومن ميزانيات المجالس المنتخبة محليا، إقليميا وجهويا، وكذا من أموال وزارة الداخلية و المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وكذا من مساهمات مختلفة لمحسنين وجمعيات وطنية ودولية. لكن مع الأسف الشديد فإن جزء كبير من تلك الأموال تهدر أو تنهب. ويبقى المستفيدون من هذا الملف، مجموعة من المنتخبين والموالين لهم. الذين يشرفون على تلك الحافلات باسم جمعيات في معظمها صورية. يكون الرئيس وأمين المال هما المهيمنين على تدبيرها المالي والإداري، وهم المشرفين على تسجيل التلاميذ المستفيدين والمحددين للمسارات الطرقية الخاصة بكل حافلة.
بل إن هناك مجموعة من حافلات النقل المدرسي التي تسلم لبعض الجماعات الترابية. وتبقى مركونة داخل مستودع الجماعة أو في الخلاء، لتتعرض للصدأ والضياع. بدعوى أن الجماعة لا تتوفر على سائق أو يتعذر عليها إيجاد اعتمادات للصيانة والوقود. أو بسبب صراعات داخل مجلسها الجماعي، حول من توكل إليه مهمة الإشراف عليها (باسم جمعية ). فكل عضو يصارع من أجل تمكين موال له بهذه المهمة أملا في نهب أموال الجماعة والمواطنين.
فقد أصبح العرف المغربي داخل الجماعات الترابية. أن تبادر كل جماعة (اقتنت أو توصلت بحافلة للنقل المدرسي) إلى تأسيس جمعية يعهد إليها الإشراف على الحافلة. وطبعا فكل جمعية أسست ستمكنها الجماعة من منحة سنوية، كما يتم فرض مقابل شهري يستخلص من جيوب أسر التلاميذ المستفيدين. لتتحول تلك الجمعية إلى مشروع استثماري لفائدة أعضاء الجمعية. كما تتحول إلى وسيلة ضغط وابتزاز للأسر، من أجل ضمان أصواتهم الانتخابية. وصمتهم على تجاوزات المنتخبين.
ويبقى الحل الأمثل لتقليص مصاريف النقل المدرسي بإقليم ما والحد من تفريخ الجمعيات. ووقف نزيف أموال الجماعات. وضبط عمل تلك الحافلات وفق برامج ومخططات تخدم كل التلاميذ المعنيين. أن يتم تأسيس جمعية إقليمية، يعهد إليها تدبير أسطول حافلات النقل المدرسي لكل الجماعات الترابية التابعة للإقليم. بحيث يتم التنسيق بين الجماعات وعامل الإقليم والمدير الإقليمي للتعليم، من أجل وضع شبكة النقل المدرسي. وفق برنامج محدد ومسارات متفق عليها. ويتم ضخ ما يلزم من مال لتدبير القطاع من أموال الجماعات الترابية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وأطراف أخرى معنية أو مساهمة. وتصبح كل حافلات النقل المدرسي تحت إشراف ممركز. يمكن من حسن تدبيرها وصيانتها. ونضمن أن يتم إنصاف كل التلاميذ المحتاجين للتنقل. بعيدا عن الركوب السياسي والعائلي والقبائلي. ونضمن كرامة الأسر واستقلالها في ممارساتها اليومية.
كما نعمل من أجل توسيع دائرة الاستفادة من حافلات النقل المدرسي، بفتح الطرق بالعالم القروي. ولا يعقل أن يتم إهمال منطقة ما إلى درجة أن يلجأ ساكنتها إلى سلك طرق وسبق مهينة في التنقل.
فقد أثار موضوع مبادرة بعض الجمعيات بتوفير عربة مجرورة بدابة لنقل تلاميذ قرية بجماعة إقدار بإقليم الحاجب، تحت مسمى (النقل المدرسي الإيكولوجي)، جدلا كبيرا في الأوساط التعليمية وعلى مواقع التواصل الاجتماعية. جدل حول استعمال عربة في مغرب اليوم، وجدل حول مصطلح (الإيكولوجي) الذي استعمل كمطية لتسويق المبادرة. لا أحد شكك في نوايا ممثلي الجمعيات المبادرة، بل إن الكل ثمن انخراط روادها بما تيسر لديهم، من أجل التخفيف من تعب وعناء التلاميذ والأسر. لكنها تبقى مبادرة مهينة للتلاميذ والمسؤولين عن قطاع التعليم والمنتخبين، وتعطي انطباعا سيئا عن البلد. مما لاشك فيه أن المبادرة ستحمي التلاميذ من قساوة الطقس وما قد يعترضهم من مخاطر. كما ستوقف معاناتهم مع السير اليومي على الأقدام محملين بالمحافظ وضياع الوقت. لكنها تبقى بديلا غير مقنعا، ومن المفروض أن يتم توفير حافلات للنقل المدرسي بمحركات. فالعربة هي حل ترقيعي غير مجدي. تكلف بدورها التلاميذ وقتا طويلا في الذهاب والإياب ومخاض الهزات على طول الطريق، إضافة إلى حصر التلاميذ تحت خيمة بلاستيكية، معرضين لضيق التنفس وما تفرزه الخيمة صيفا وشتاءا. كما أن حجم العربة هو بحجم الحافلة وبنفس عدد العجلات. وقوة الحافلة بمحرك أكثر بكثير من قوة دابة. وبالتالي فإن القول بأن العربة هي وسيلة نقل إيكولوجية، لا أساس له من الصحة. والأكيد أن نقل التلاميذ على متن حافلات بمحركات أكثر سيكون حماية لهم. باعتبار مدة الرحلة ووضعية ونوعية الكراسي.
فمنطق رواد الجمعيات وحتى بعض الأسر بالمنطقة، يسير نحو مبدأ (عدي بالنعالة حتى يجي السباط). باعتبار صعوبة تدبير حافلات للنقل المدرسي. لكن وضع هؤلاء التلاميذ يساءل بالدرجة الأولى المسؤولين عن القطاع والمنتخبين. ومن العيب والعار انتشار مثل هذا النقل بالمغرب.