le12.ma
بعد أيام وأسابيع من الشد والجذب، استسلمت ماء العينين أخيرا وأقرّت بأنها قد تبرّجتْ في باريس وأن الصور “المنسوبة” إليها حقيقية.
كما جاء “اعتراف” العينين استجابة لنداء “إخوانها” في الحزب الذين طالبوها بـ”التوضيح”. وأقرّت القيادية في حزب العدالة والتنمية بما سمّته “الهزيمة” أمام ما يروج في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من صور لها دون غطاء للرأس.
وكتبت ماء العينين تدوينة على صفحتها في فيسبوك بعنوان “في مطلب الوضوح”، قالت فيها: “فجأة، وجدتُها حربا ضروسا وَظفَت فيها جهات ما كل الإمكانات الإعلامية واللوجيستيكية وتكلف بإعلانها وإذكائها أشخاص معروفون، من الرجال والنسا،ء بنفس الأدوات والأساليب.. حرب سياسية شاملة هدفها التحطيم والنسف دون قواعد ودون أخلاق.
لم تكن حربا متكافئة من حيث “قواعد اللعب” وكان تدبيرها سياسيا، وقد تكون شابته أخطاء. أعترف بذلك لأني وعيت، منذ البداية، أنها حرب غير متكافئة في مواجهة آلة لا تعرف إلا لغة التدمير، قررتُ بمحض إرادتي في إحدى اللحظات -ولعلها لحظة ضعف إنساني- امتصاص الضربة الموجعة والاعتراف للخصم “القوي”، الذي وضعني منذ سنوات في فوهة المدفع، بالانتصار.. وفي الحرب ضحايا من العائلات والأطفال لم أقوَ على تحمل آلامهم، بعدما نذرتُ نفسي لتحمل كل الطعنات ما دمتُ قد اخترت النضال بالكلمة والموقف دون مساومة أو حساب للربح أو الخسارة. منذ سن الثالثة عشرة وأنا أخوض إضرابا عن الطعام في إعدادية داخلية احتجاجا على سوء التغذية والمعاملة.
لكنّ هؤلاء الضحايا لم يختاروا السياسة أو الرهانات النضالية فوجدوا أنفسهم أول المتضرّرين.
لم يكن في الأمر نفاق ولا خداع ولا إذاية لأحد، جوهر الحكاية حرب شاملة ضد “امرأة”، وها أنا أعترف لمن قرّر وخطّط وترصّد وتسلل وسرّب وشهّر وافترى وفعل كل ما فعل، أنك بكل إمكانياتك الضخمة قد نلْتَ من هذه المرأة السياسية الشابة التي لم تواجهك إلا بالكلمة والموقف وإرادة الاصلاح، وقد آمنت بالنضال من داخل المؤسسات، وفي احترام لقواعد اللعبة وضوابطها.
ها أنت تكسب المعركة ضدها، فهنيئا لكل من أسهم فيها بسهمه.
هذه الحرب الضروس التي لا يُراد لها أن تنتهي، خلفت وراءها رسائل:
1) إن الاضطهاد الموجه لنائبة برلمانية وسياسية بذلت كل جهدها لتشكل إضافة نوعية لمؤسسات بلدها، مرورا بنظام الكوطا إلى اللائحة المحلية، إلى الاجتهاد داخل مختلف المؤسسات، لا يمكن أن يكون إسهاما في حماية البلد من أصوات مختلفة تخرج أحيانا من أنساق تفكير معلبة ومنمطة، ببساطة لأن الديمقراطية تقتضي التساهل مع قدر من الاختلاف.
2) إن التنظيمات التي تجد نفسها مضطرة للتذكير بمرجعيتها الإسلامية وأسسها المذهبية في سياق نقاش أُثير قسريا وفُرض في سياق حرب غير أخلاقية حول غطاء رأس إحدى العضوات، هل احتفظت به حقا أو نزعته فعلا؟.. هي تنظيمات تحتاج إلى مناعة أكبر لتحصين مناخ النقاشات الكبرى بداخلها، بعيدا عن الضغط وحملات الاستهداف والتشنيع، فقد يكون هناك ما يقال حول الأزياء والسلوكات والاختيارات.
3) إن الأزمات الصعبة تكشف معادن الناس بين من يتورع عن الخوض في الأعراض وتصديق الادّعات ويقدم الدعم في لحظة تكثر فيها السهام والرصاصات دون قيد أو شرط أو حتى سؤال عن مدى صحة ما يروج، استيعابا منه لأبعاد الحرب ودواعيها والواقفين وراءها… تحضرني أسماء إخوان وأخوات وأصدقاء وصديقات أعجز عن شكرهم، كما أشكر أولئك الذين اتصلوا واستفسروا وأنصتوا وعبّروا عن وجهة نظرهم بنبل وأخلاق سامية.
أشكر أولئك الذين شمتوا وسعوا بين الناس بالنميمة، يُروجون الادّعاءات والشائعات، مشهرين بأشخاص أبرياء نُسجت حولهم الحكايات ونظريات الكيد والمؤامرة وما شهدتُ فيهم إلا نبلا وشهامة وأخلاق “وْلاد الناس” التي زادت رسوخا أثناء هذه الأزمة القاسية، علما أن بعض أولئك الذين نذروا أنفسهم لأدوار التشهير وترويج روايات بعض “الصحافيين” و”الصحافيات” هم من “الإخوة” الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء الاتصال أو الاستفسار.
4) إن كل هذا الأذى الذي لحقني وعائلتي وأبنائي، وكل من أثير اسمه في هذه “النازلة” لن يدفعني إلى الكفر بهذا الوطن الذي يسمح بكل هذه القسوة من طرف من لا يريد الإنصات إلى صوت مختلف، ومن طرف من يختلف سياسيا فيوجّه الطعنات، مستغلا فرصة صنعها من صنعها، ومن طرف الحاقدين والمنافسين والكارهين ومطلقي النيران الصديقة.
5) شكرا للذين أعلنوا التضامن فارتبكوا، ثم سحبوا التضامن ثم اطلقوا الاتهامات بالازدواجية أو النفاق أو الجبن أو ما أرادوا، ولو أني لم أطلب تضامنهم رغم تقديري له.
6) إن الذين سمَوا على الاختلافات السياسية والايديولوجية والفكرية، فشجبوا بمبدئية ما حدث، يستحقون كل التنويه.
نعم، أعترف بأن شدة الاستهداف كانت قاسية جدا وأنا ألمس معاناة الأم والعائلة والقبيلة، ولو كان الأذى يلحقني وحدي لكان لي اختيار آخر وقد تعودت على شراسة الاستهداف ولاأخلاقيته، وبذلك أجدد تهنئتي للمنتشين بـ”الانتصار”.
في الأخير، أؤكد لكل الذين قالوا بملء أفواههم إننا نعرف أمينة كالتزام نضاليّ وليس أي شيء آخر، أنني سأستمر في النضال من موقع الدفاع عن الديمقراطية والحرية والعدالة في احترام للقانون والمؤسسات.