le12.ma
في أجواء يطبعها “الاحتقان” الاجتماعي، وفي ظل تلويح قطاعات واسعة من الشغيلة بالاحتجاج بسبب تفاقم أوضاعها المهنية والمعيشية، تولى عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، الإشراف على اللقاء الذي عقد أمس الثلاثاء، مع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
ويُتوقع أن تواصل الداخلية الإشراف على الحوار الاجتماعي المتعثر، اليوم الأربعاء، مع كل نقابة على حدة من النقابات الثلاث الأخرى الأكثر تمثيلية.

وتعدّ هذه المرة الأولى التي تتولى فيها وزارة الداخلية الإشراف على الحوار الاجتماعي، بعدما كان رئيس الحكومة هو من يتولى المفاوضات في كل المحطات السابقة.
وفي هذا السياق، قال الهوير العلمي، نائب رئيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، في تصريح صحافي، إن الهدف من الجولة الجديدة من الحوار الاجتماعي هو إخراج هذا الحوار الاجتماعي من “النفق المسدود”، بعد عجز حكومة العثماني عن الاتفاق مع النقابات الأكثر تمثيلية حول الزيادة في الأجور وتحسين الدخل.
وأكد العلمي أن نقابته تتطلع إلى مأسسة الحوار الاجتماعي، بما يتيح الوفاء بالالتزامات، خاصة بعدما لم تطبق الحكومة بعض مقتضيات اتفاق 2011، وتحديدا في ما يتصل بتوحيد الحد الأدنى للأجور بين القطاع الزراعي والقطاعات الصناعية والتجارية والخدماتية.

وشدّد المتحدث على أن موازنة العام الحالي دخلت حيز التنفيذ دون أن تتضمّن تدابيرَ لتحسين الدخل عبر الضريبة، مشيرا إلى أن الموازنة ليست “نصا مقدسا”، ما يعني أنه يمكن تعديل مقتضيات تلك الميزانية في حال الوصول إلى اتفاق.
يأتي ذلك في وقت تنذر بداية العام الجديد باشتداد الضغط على الحكومة من أجل التعاطي مع الاحتقان الاجتماعي غير المسبوق، ما تجلى في احتجاح الأساتذة والمعلمين، ومؤخرا، التجار.
وغي هذه الأجواء المشحونة، والتي تنذر بتفاقم أوضاع فئات واسعة من العمال والموظفين والتجار، دعت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى مسيرة بالسيارات نحو مدينة طنجة، بعد غد الجمعة، من أجل “فك الحصار عن العمل النقابي في طنجة المتوسط”، التي تعد أهم منطقة اقتصادية حاليا، بعد الدار البيضاء.
وفي هذا الإطار، أكدت النقابة أن المسيرة تهدف، كذلك، إلى التنديد بـ”استخفاف الحكومة بالمطالب الاجتماعية للطبقة العاملة وضرب القدرة الشرائية للمواطنين”.
وقد انتهى آخر لقاء للجنة الفنية للحوار الاجتماعي، الذي تزامن مع مناقشة مشروع الموازنة، بانسحاب النقابات، التي برٌرت موقفها بـ”عدم تحسين الحكومة العرض الذي قدّمته في السابق”.
وقد شرعت الحكومة في تنفيذ الموازنة، منذ بداية يناير الجاري، دون أن يتضمن أية مخصصات تترجم الزيادة في أجور الموظفين الحكوميين أو تحسين الدخل عبر إعادة النظر في الضريبة التي يخضع لها الموظفون والأجَراء في القطاع الخاص.
وكانت حكومة البيجيدي قد اقترحت على النقابات العمالية زيادة أجور الموظفين بـ200 درهم شهريا في العام الحالي، و100 درهم إضافية في 2020 و200 درهم في 2021، غير أن هذه الزيادة ستقتصر على شرائح من الموظفين الذين يتقاضون أزيد من 5200 درهم شهريا، ما رفضته النقابات.

ومن جهتها، تدعو النقابات إلى “تحسين العرض الحكومي”، خاصة في ظل “تدهور القدرة الشرائية للأسر”، مشددة على ضرورة عدم قصره على فئة من الموظفين، إذ تتطلع إلى أن يشمل جميع الموظفين.
ورغم محاولات حكومة العثماني إقناع الاتحادات بعرضها، إذ عرضت عليها أن تحل محل الموظفين من أجل أداء اشتراكاتهم برسم الصندوق المغربي للتقاعد بالنسبة للعام المقبل، فقد فشلت في إقناع ممثلي النقابات الأكثر تمثيلية، ليصل الحوار الاجتماعي إلى “الباب المسدود”.
وترى النقابات العمالية أن الحوار الاجتماعي لا ينبغي أن يُختزل في الأجور وتحسين الدخل، بل لا بد أن ينصب، كذلك، على وضع آليات لمراعاة تأثيرات ارتفاع الأسعار على الموظفين والأجراء.
ولا يُفترض أن يقتصر الحوار الاجتماعي على أجور الموظفين، بل لا يمكن لأي اتفاق أن يسري دون الاستجابة لانتظارات الأجراء في القطاع الخاص، علما أن رجال الأعمال عبّروا للحكومة، في وقت سابق، عبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، عن “تحفظهم” على الزيادة في الأجور، موصين بتحسين الدخل عبر الضريبة.

ومن جانبهم، يسعى رجال الأعمال إلى الحصول على التزام من النقابات العمالية بقبول تعديل قانون العمل، بهدف إرساء المرونة في سوق الشغل، وتبني قانون ينظم الإضراب، ما يواجه برفض بعض النقابات العمالية المؤثرة.
ويأتي هذا في الوقت الذي تصاعدت الانتقادات والاحتجاجات على الأداء الضعيف لحكومة البيجيدي، بقيادة سعد الدين العثماني، الذي يبدو أنه سيشهد على رأس حكومته سنة “ساخنة”، في ظل تزايد وتيرة احتجاجات التجار بعد دخول نظام الفوترة حيّز التنفيذ، ما سيزيد الوضع الاجتماعي المحتقن أصلا، مزيدا من التوتر والاشتعال والتأجيج.
