بقلم: بوشعيب حمراوي

 

حتى لا يستمر العبث بأسماء أشخاص وأماكن وأشياء مادية ومعنوية.. يحفظ لها المغاربة في قلوبهم وعقولهم أمكنة خاصة وقيم رفيعة دينية وتاريخية وتراثية.  وحتى تضل بصماتهم راسخة عبر كل الأجيال والأزمنة. لا بد من وقف مسلسل تسفيهها والتنقيص منها، والضرب في هوياتها وأثارها البالغة والبليغة في عقول وقلوب المغاربة. لابد من أن تبرمج الحكومة برامج ومخططات ورؤى تضمن وقايتها من العبث والميوعة التي غطت الشارع  و هيمنت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعية. وانتقلت بدعم من وزارة التربية الوطنية إلى داخل المدارس الابتدائية. وكأن هناك جهات تخطط لتوظيف البرامج التعليمية في نشر كل ما بإمكانه ضرب قيمنا وقوميتنا، وترسيخ الميوعة والسفاهة  لدى الأطفال وتجريدهم من تاريخهم وتراثهم.    

مناسبة الحديث ما تتقاذفه الألسنة والأقلام والصفحات الرقمية من غضب وسخط على ما تضمنته نصوص مجموعة من الكتب المدرسية باللغة العربية (كتب التربية الإسلامية والعربية).من تنقيص وتسفيه لأسماء رموز دينية. في مقدمتها اسم محمد رسول (ص). وزوجته (عائشة). حيث استغل اسم (محمد)، في موضوع حكاية (عائلة محمد)، التي ذهبت في رحلة إلى البحر الميت، ما إن وجدت مكانا نظيفا قريبا من الخدمات العامة. وقضت اليوم فيه. وعندما غادرته تركت خلفها الأوساخ متناثرة والمياه منسكبة والروائح كريهة… ألم يجد واضع النص من اسم من بين ملايين الأسماء سوى اسم محمد.  أم أنه سعى إلى إلصاق صفات العفن والفوضى بمحمد أطهر خلق الله. أو بالتلميح إلى أن كلمة (محمد) تعني العرب والمسلمين عموما.

كما استغلت الطاهرة العفيفة عائشة زوجة الرسول الكريم، في وضع نص آخر يتحدث عن زواج القاصرات. وعوض الخوض مباشرة في سيرة خير الأنام. وتمكين الأطفال من دروس وعبر . استغل اسم (عائشة). في الحديث عن طفلة قيل أنها انتزعت من بين لعبها، وسلمت إلى رجل من قبيلة والدها. زوجها والدها وهي تصغر زوجها ب28 سنة… وهو نصل قيل أنه مقتضب من عن الجزيرة نت بتصرف سنة 2016. وطبعا وبما أن الكل ضد تزويج القاصرات، فإن لصاحب النص أهداف أخرى غير معلنة..

لماذا لا نجد اسم (محمد وعائشة) في نصوص بكل لغات العالم تتحدث عن الشهامة والعزة والكرامة وغير من الصفات الحميدة ؟. 

حملة مقاطعة بعض المواد الاستهلاكية التي اندلعت شهر أبريل 2018، والتي كانت وجهت خصيصا ضد شركة سنطرال دانون لتوزيع منتجات الحليب، وشركة افريقيا لتوزيع الغاز والوقود، وسيدي علي للمياه المعدنية. جعلت المغاربة يصبون جام غضبهم وعنفهم اللفظي على (سنطرال وافريقيا وسيدي علي). شخصيا أنا أحب (افريقيا) حبا جما. وأحن ل(سنطرال) و(سيدي علي).. ولم يكن بأي حال من الأحوال أن أقاطع هذا الثلاثي الذي يشكل لدي الأم والتاريخ والروح.  لا أظن أن هناك مغربي يكره ماما (افريقيا)، ويفكر في مقاطعتها. بل إن المغاربة استبشروا خيرا بمبادرة الملك محمد السادس، بإعادة المغرب لأحضان أمه القارة السمراء.

وشخصيا أنا أشتاق، وتغمرني لحظات أبكي فيها بحسرة وألم كبيرين على (سنطرال). قلب البيضاء الروحي والنضالي. الحي الصفيحي الذي كان مشتلا للطاقات الثقافية والفنية والفكرية، ومنطلقا للمقاومين و المناضلين. أحن لزحمة وتلاحم ووحدة (كريان سنطرال). المقلع الذي ورغم استنزاف معادنه وأحجاره الكريمة من طرف المستعمر الفرنسي، أبى سكانه المقهورين إلا أن يفرزوا  مناضلين من طينة عبد الرحمن اليوسفي ومحمد العبدي. ومجموعات غنائية شعبية ثورية  وتراثية ( ناس الغيوان، لمشاهب، السهام، تكادة..). ومواهب كثيرة. كان المستعمر الفرنسي يلقب الملك الراحل محمد الخامس بملك كريان سنطرال، بالنظر إلى الزيارات التي كان يقوم بها للحي الصفيحي وسط الحي العريق المحمدي.  كيف لي أنا شخصيا ودونا عن باقي المغاربة، أن أقاطع ضريح الولي الصالح سيدي علي المتواجد بتراب الجماعة القروية الفضالات بإقليم ابن سليمان. فبجوار هذا الضريح ترقد أمي ويرقد خالي وجدتي والعديد من معارفي. ولكم أن تعدوا كم من ولي صالح (سيدي علي) بالمغرب. وهم أولياء إما متوفين أو مدبرين و زاهدين عن الدنيا وهموم ومشاغل البشر. لا يبيعون ولا يشترون في المياه ولا في غيرها من سلع الدنيا.

غالبا ما يلحق رواد العوالم الافتراضية ومدمني الشبكة العنكبوتية، الضرر بأشخاص وأماكن وأشياء مادية ومعنوية، لمجرد تشابه أسماءهم بأسماء أشخاص ذاتيين أو معنويين، قرروا الاحتجاج ضدهم. غالبا ما يتعرضون بالخطأ، للسب والقذف والإهانة والسخرية والتشهير. علما أنهم ليسوا المقصودين بكل تلك الشتائم والنعوت. على العموم فحديثي كان عن هذا الثلاثي، وأي تشابه في الأسماء بينه وبين أسماء أخرى في أرض الواقع هو محض صدفة. وأدعوكم يا رواد العوالم الافتراضية أن تبحثوا في مواقع التواصل الاجتماعي  وأرشيف الجرائد الالكترونية الوطنية والدولية، عن تلك الأسماء (افريقيا، سنطرال، سيدي علي). لتعلموا أنها أصبحت لصيقة بمواضيع لا صلة لها بها.

وبكلمات غريبة عنها كلها سب وقذف وسخرية وتهجم. ليس السبب هي مبادرة المقاطعة، ولكن السبب في عدم التحديد الدقيق والمفصل للجهات المعنية بالمقاطعة. لدى مجموعة كبيرة من المدونين والكتاب تدوينات ومقالات تكتب بكلمات وعبارات فضفاضة وعشوائية. قد يفهمها المغاربة المعنيين والمهتمين. لكنها تبقى غامضة وتفسر خطأ من طرف الأجانب، وقد تستغل من طرف خصوم الوطن. ويسجلها التاريخ بنفس الغموض لتزيد من سواد مستقبل الأجيال القادمة.

أسألوا أطفالكم الذين يشاركونكم الواتساب والفايسبوك والتوتير وكل مواقع التواصل الاجتماعي،  لتدركوا أن بعضهم بدئوا يكرهون تلك الأسماء ويرفضون ترديدها. فكيف السبيل إذن لتربيتهم وتعليمهم بما تحمل تلك الأسماء من حمولات تاريخية ومستقبلية ؟ وكيف سنفتح لهم شهية الرضاعة من ماما افريقيا والتشبع بجزء من تاريخ العاصمة الاقتصادية والمغرب الكبير؟؟ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *