وهيبة الرابحي
يأمل آلاف المغاربة في زرع كلية أو كبد أو قلب.. وبالنسبة لكثيرين هي مسألة حياة أو موت، بينما يظل عدد المتبرعين، الذي يقدر بأقل من ثلاثة متبرعين لكل مليون نسمة، بعيدا كل البعد عن تلبية الاحتياجات. وقد تفاقم هذا الوضع منذ تفشي جائحة كوفيد-19.
وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور الطرابلسي محمد الحسن، الطبيب المتخصص في الصحة العمومية، أن “عدوى كوفيد من موانع التبرع بالأعضاء من متبرع ميت دماغيا”.
وغالبا ما يكون الطريق إلى إجراء عملية الزرع طويلا وشاقا. إذ يموت كل يوم رجال ونساء وأطفال جراء عدم إجراء عملية زرع في الوقت المناسب، بينما كان بالإمكان، بفضل الطب الحديث، إنقاذهم من براثن الموت.
وقال الدكتور الطرابلسي، وهو منسق سجل زرع الأعضاء بمديرية المستشفيات والعلاجات المتنقلة بوزارة الصحة ومسؤول بالمرصد العالمي للتبرع بالأعضاء وزرعها بمنظمة الصحة العالمية، إنه “عندما تكون الزراعة ضرورية لبقاء شخص مصاب بمرض عضوي مزمن في مرحلته النهائية على قيد الحياة، يتم إجراء العديد من الاختبارات على المريض الذي يتم وضعه على قائمة انتظار رسمية. وتكون فترة الانتظار، للأسف، طويلة جدا أحيانا، بحيث أن المريض قد توافيه المنية قبل أن يتمكن من الاستفادة من الزرع”.
وعلى الرغم من أن المغرب كان رائدا في هذا المجال -تم إجراء أول عملية زرع كلى على المستوى المغاربي سنة 1985 في مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء-، ويتمتع بخبرة طبية وإطار تشريعي متين، إلا أن الأرقام المسجلة حتى الآن على مستوى المستشفيات المغربية الثمانية المعتمدة تظل متواضعة.
إذ لم يجر المغرب سوى 735 عملية زرع كلى، وهو النشاط الأكثر شيوعا، تشمل أكثر من أربعين طفلا، وأربع عمليات لزرع القلب، و28 عملية لزرع الكبد، وحوالي 5 آلاف عملية لزرع القرنية، بالإضافة إلى ألف عملية زرع ذاتية و40 عملية زرع متطابقة وراثيا بين المتبرع والمتلقي.
وفي ما يتعلق بزرع الأنسجة البشرية، فقد تم تعليق النشاط منذ الربع الثاني من سنة 2020 بسبب الجائحة. ولم تتجاوز العمليات المنفذة العشرين هذه السنة.
وأكد الدكتور الطرابلسي أن عدد المتبرعين المحتملين المسجلين لدى المحاكم الابتدائية بلغ حوالي ألف و500 متبرع، لكن معظم التبرعات، إن لم يكن كلها، تم الحصول عليها على الفور بالمستشفيات عقب تسجيل حالات الوفاة في عين المكان من قبل الفرق الطبية، وبفضل عمل القائمين على التنسيق الذين يتواصلون مع أسر المتوفين.
وبحسب الطبيب المختص، فإن هذه الأرقام لاتزال “دون التوقعات” بالرغم من العمل الذي يقوم به مهنيو الصحة، إذ أن بعض العراقيل تعترض تطوير هذا المجال، من قبيل المتبرعين داخل الأسر، والجهل بالموضوع (الجوانب الطبية، الدين، والقانون، وما إلى ذلك)، ولدى عامة الناس بخصوص المتبرعين المتوفين دماغيا، ونقص المعلومات لدى مهنيي الصحة أنفسهم حول المتبرعين الأحياء.
وينضاف إلى ذلك، وفق الدكتور الطرابلسي، التكلفة الباهظة نسبيا لخدمات ما قبل الزرع، والعلاج الطبي والمتابعة السريرية، بالإضافة إلى العلاج المثبط للمناعة مدى الحياة قصد تفادي رفض العضو المزروع.
وسجل أن الوضع خطير على أكثر من صعيد، ويسائل الجميع. وفي هذا الصدد، يعد اليوم الوطني للتوعية والتشجيع على التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية، الذي يتم الاحتفاء به كل 17 أكتوبر، فرصة للتنويه بأسر المتبرعين، والدعوة إلى التأمل في الموضوع، وكذا التوعية بأهمية عملية التبرع لدى مهنيي القطاع الصحي أنفسهم، بالإضافة إلى عامة الناس والدولة.
وشدد على أن “المغاربة ليسوا على وعي تام بالرهانات الحقيقية لهذا العمل الإنساني، المتمثل في التبرع، لأنه لاتزال هناك بعض الجوانب غير الواضحة تماما”.
وأوضح الطرابلسي، نقلا عن دراسة (أرتيميس) التي صدرت سنة 2015، أن 64,1 في المائة من الذين تم استجوابهم ليسوا على دراية بأن القانون المغربي يسمح بزرع الأعضاء من متبرع حي داخل الأسرة، و62,2 في المائة لا يعرفون أن الإسلام لا يعارض ذلك؛ ومن متبرع ميت دماغيا، 55,2 في المائة يجهلون أن القانون يسمح بالزرع و54,4 في المائة يجهلون أن الإسلام لا يحظر ذلك.
وأشار هذا الاستطلاع أيضا إلى أن 16,7 في المائة فقط من السكان لديهم متبرع عائلي، منهم 66,7 في المائة من النساء.
وبحسب الدكتور طرابلسي، فإنه من المهم التعبير بوضوح عن موقف كل شخص من التبرع وإحداث سجل الرفض بدلا من سجل التبرع، وذلك مع اعتبار أن كل شخص يوافق على التبرع بالأعضاء والأنسجة بعد وفاته ما لم يعلن، قيد حياته، عن رفضه لذلك.
وإذا لم يكن التبرع بالأعضاء إلزاميا، فمن ناحية أخرى، من واجب الجميع أن يأخذوا الوقت الكافي للتفكير في الأمر بروية من أجل إنقاذ حياة إنسان. ألم يقل الله تعالى في كتابه الكريم: “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا” (سورة المائدة).
وعليه، فإن كل من يود إعطاء فرصة أخيرة لأولئك الأشخاص الذين يصارعون الموت في انتظار عملية الزرع، ما عليه سوى إدراج اسمه في السجل الوطني للمتبرعين.