حوار: عبد اللطيف أبي القاسم

 

فاز الكاتب المغربي الشاب، يونس أوعلي، بجائزة كتارا للرواية العربية برسم سنة 2021 عن فئة الروايات غير المنشورة، التي تمنحها المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا بقطر، عن روايته “أحلاس، ذاكرة أليمة المدى”.

في هذا الحوار يقدم أوعلي، وهو من مواليد ميدلت وطالب في المعهد المتخصص للتكنولوجيا التطبيقية، وقارئ وروائي ومدوّن، فكرة عن رد فعله إثر الفوز بالجائزة، وظروف كتابة الرواية و”معركته” مع نشرها، وعن سر شغفه بالأدب.

1- فازت روايتكم “أحلاس، ذاكرة أليمة المدى” بجائزة كتارا للرواية العربية عن فئة الرواية غير المنشورة، ماذا عن شعورك بهذا التتويج، وهل يمكن أن تقربنا من أجواء هذا العمل؟

في الواقع، أعتبر هذا التتويج بمثابة تقدير كبير للمجهود الذي بذلته طيلة ثلاث سنوات، ودفعة معنوية كبيرة لمواصلة العمل على مشروعي الأدبي. بدأت الاشتغال على هذه الرواية أوائل 2018، وكان الأمر في البداية مجرد فكرة نقلت معالمها الكبرى إلى مذكرة صغيرة على شكل عوارض (الأمكنة، الشخوص، الموضوعات، التقنيات، شكل البناء السردي …) ثم بعدها شرعت في التوسع في هذه العوارض بحثا وكتابة.

ولأني شخص لا يسرف في الكتابة ولا يستعجلها؛ كانت تمر علي أسابيع، بل أشهر، وأنا أقرأ وأبحث دون أن أكتب، وهو ما ساعدني على بلورة تصور شامل منذ البداية عن مسار الرواية، تحول في ما بعد إلى مشروع أعرف جيدا أين أسير به.

ولأن أمكنة الرواية متعددة، فقد كنت أمام تحد كبير حيث تطلب مني الأمر الكثير من البحث، خاصة عن خصوصيات أمكنة تقع خارج المغرب (كازامانس بالسنغال، الجيزة بمصر، بغداد والموصل بالعراق…) وكذا عن تاريخ قريتَي أحولي وميبلادن ضواحي ميدلت، اللتين تحولتا إلى أمكنة مهجورة إثر إغلاق شركة المناجم لأبوابها هناك.

جمعت ما يكفي من المعطيات في فترة كنت مطالبا فيها أيضا بإنجاز بحث نهاية الدراسة بكلية الحقوق، ثم بعده تفرغت للكتابة التي تطلبت سنتين، إلى جانب أشهر طويلة من القراءة وإعادة الصياغة، تلتها أشهر أخرى من العمل على تدقيقها لغويا من طرف الأستاذ والشاعر محمد تايشنت الذي قام بمجهود كبير ولم يبخل علي بنصائحه وتوجيهاته.

وكنت، بعد كل ذلك، أطمح للحصول على ناشر “محترم” لا يضيع معه ما بذلته من جهد، دون أن أضع في الحسبان أني قد أشارك بها في الجائزة.

2- علاقة بالنشر، نقل الكاتب الروائي عبد المجيد سباطة حديثا عن “معاناتك” مع رحلة البحث عن ناشر لروايتك. يبدو أن الطريق أمام الكتاب الشباب ليست معبدة، أليس كذلك؟

أنهيت الرواية، لسوء الحظ، في عز جائحة كورونا، حيث شلت حركة النشر في الوطن العربي مع إلغاء المعارض الدولية وإغلاق المكتبات، وهو ما جعل من النشر مهمة مستحيلة حينها. وبعد عودة الحياة الثقافية إلى طبيعتها مع بداية العام الجاري، راسلت مجموعة من دور النشر، بعضها أجاب بعد مدة طويلة معتذرا عن نشرها، والبعض الآخر لم يكلف نفسه عناء كتابة أي رد لحدود اليوم. وبعد أشهر، وافقت دار نشر مصرية على نشرها شريطة المساهمة ب 700 دولار، في وقت لم أكن أتوفر فيه على أكثر من 70 درهما في جيبي.

اليوم، وللأسف، أصبحت دور النشر تعطي أهمية كبيرة للمترجم على حساب المؤَلف، لذلك يجد الكتاب الشباب صعوبة بالغة في نشر أعمالهم، رغم أن بعضا منها قد يهم القارئ العربي أكثر من أعمال تترجم وتوزع فقط لأن على أغلفتها أسماء غربية.

3- روايتك الفائزة هي ثاني عمل لك بعد رواية “جسد بلا روح”، لماذا غلبت نبرة الحزن والألم في اختيارك للعنوانين؟

دائما ما يطرح علي هذا السؤال. وأقتبس هنا مقولة لمحمود المسعدي يقول فيها بأن “الأدب مأساة أو لا يكون”. تعجبني الكتابات ذات الطابع الحزين، لأنني أعتبر أن الأدب تعبير عن بؤس الواقع، فالسعداء لا يكتبون، لا يكتب إلا الذين وهبوا نفوسهم للتعبير عن هموم الإنسان.

لا أحد يختار أن يكون حزينا، الواقع هو ما يفرض على الكاتب هذا التوجه، لأن ما نكتبه هو انعكاس لأثر هذا الواقع علينا.

وهناك كتاب كبار عرفوا بالأدب السوداوي. كافكا على سبيل المثال، كانت كتاباته تعبيرا عن حالته النفسية، وعن الحياة الصعبة التي عاشها. دوستويفسكي أيضا، وساراماغو وسيوران وغيرهم الكثير.

وقد لخص الشاعر محمد تايشنت كل ما قيل ويقال عن الكتابة بقوله إنها “إمساك لأثر العالم في النفس”.

4- طيلة شهر رمضان الماضي، نشرت على صفحتك على (فيسبوك) فقرة راتبة يومية تعرف فيها بأبرز الروايات التي قرأتها وتركت أثرها عليك. ما السر وراء اهتمامك بجنس الرواية بشكل أكثر من غيره من الأجناس الأدبية؟

كانت فقرة “كتاب وكاتب” من باب مشاركة أعمال، أرى أنها تستحق القراءة، مع قراء آخرين، ولم تكن تقتصر فقط على الروايات، بل كتبت أيضا عن أعمال من مختلف الأجناس من بينها القصة والشعر والشذرة والسيرة الذاتية والكتب الفكرية لأني أحاول أن أقرأ في جميع الأجناس، أقرأ الشعر والقصة والرواية والمسرح سواء العربي منها أو المترجم. صحيح أنني أميل إلى الرواية أكثر، لأنني روائي، لكنني حريص على تنويع ما أقرأ.

5- يبدو أنك تتبنى مقولة الفيلسوف البرتغالي فيرناندو بيسوا “ليس الأدب سوى اعتراف بأن الحياة لم تعد تكفي”، هل تمنح الرواية بالفعل حيوات جديدة لقرائها أم أنها لا تعدو أن تكون عرضا للواقع فقط؟

الفن بشكل عام نتيجة للحياة الناقصة. بالنسبة لي منحتني القراءة حياة جديدة، واكتشفت من خلالها زوايا لم أكن أعرفها عن الحياة عامة، وعن الإنسان بشكل خاص. فمهمة الرواية، كغيرها من الأجناس، هي تعرية الواقع وتشريحه وإبراز أعطابه. وكلما تقدم القارئ في القراءة عرف أن معرفة هذا الواقع هو، بشكل أو بآخر، طريق لاكتشاف ذاته.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *