عندما تنبح عليك الكلاب فلا يجدر بك أن ترد عليها بل أن ترد على من يمسك بالحبل الذي يلف عنقها.

نحن نعرف أن المتضرر الأكبر من الشراكة المغربية الأنجلوسكسونية في أفريقيا هي روسيا، لأن المشروع الضخم الذي يقوده المغرب والذي سيحمل الغاز نحو أوروبا انطلاقا من نيجيريا سيجعل قبضة الدب الروسي المحكمة حول أعناق الأوربيين تتلاشى، لذلك يفعل الكرملين كل ما بوسعه لوضع حد لعقد أنبوب الغاز الجزائري الذي يمر من المغرب، عقابا لنا على انخراطنا مع أمريكا في هذا المشروع الكبير الذي سيأتي بالغاز النيجيري إلى بيوت الأوربيين، وأيضا لإجبار الأوروبيين ومعهم الأمريكيين لرفع الفيتو عن أنبوب الغاز الروسي نورث ستريم 2 الذي يمتد إلى ألمانيا، ولهذا كلف الكرملين الجزائر بممارسة الابتزاز على الأوروبيين بخفض الكمية السنوية من الغاز الجزائري المصدرة لهم.

المغرب يعرف خصومه الحقيقيين ويتصرف معهم بصرامة دون خوف أو تردد، ولعل قرار تعليق الرحلات المباشرة بين المغرب وروسيا بقرار من السلطات المغربية يأتي في وقت ارتفعت فيه وتيرة التحرشات الروسية بمصالح المغرب، بالتوازي مع مخططات طهران الرامية لتدريب وتسليح ميليشيات البوليساريو. وقد تلقت موسكو الإشارة فطالب وزير الخارجية لافروف عبر سفارته في مصر من جامعة الدول العربية تأجيل موعد الدورة السادسة لمنتدى التعاون الروسي العربي التي كان مقررا عقدها في 28 أكتوبر الحالي في المغرب. 

العسكر الجزائري يطمع من وراء إسداء هذه الخدمات الدب الروسي أن يساعدهم في تغيير خط الأنبوب النيجيري لكي يمر عبر الجزائر وليس عبر المغرب.

علينا أن نعرف أن حكام الجزائر لا يفعلون سوى تنفيذ الأجندة الروسية في أفريقيا وشمالها، ولذلك قرروا إغلاق أجواء الجزائر في وجه الطيران الحربي الفرنسي والطيران المدني المغربي لكي يتسنى للكرملين شحن مرتزقة شركة فاغنر نحو الساحل استعدادا لاستكمال العمل القذر الذي قاموا به في ليبيا.

ومن هنا نفهم الغضب الفرنسي من جنرالات الجزائر الذين يفتحون الطريق للروس في مالي وغيرها من بلدان منطقة الساحل لكي يثبتوا أقدامهم هناك استعدادا لطرد الفرنسيين. وهذا ما تفطن له المغرب مبكرا عندما استثمر في القمر الصناعي محمد السادس ألف وبعده قمر محمد السادس باء واللذين يقومان برفقة القمر “زرقاء اليمامة” برصد أدق التحركات على الحدود. ولذلك فباستطاعة الجزائر أن تغلق أجواءها في وجه الطيران المدني والحربي لكن لا يمكنها بأي حال من الأحوال إغلاق الفضاء في وجه أقمار المغرب الصناعية التي تدور على ارتفاع 620 كيلومتراً من سطح الأرض.

وماكرون لم يهاجم الجيش الجزائري متهما إياه باستغلال الأصل التجاري للماضي فقط لأن الحنين فجأة شدة للتاريخ بل لأنه يصرف حنق الدولة الفرنسية العميقة، الجيش تحديدا، مما يقوم به جنرالات الجزائر لخدمة التغلغل الروسي في العمق الأفريقي.

لهذا فالمقصود الحقيقي من تقليص فرنسا لعدد التأشيرات ليس هو المغرب أو تونس بل الجزائر تحديدا، وقد عبرت إسبانيا بدورها عن انزعاجها من حملات قوارب المهاجرين السريين الجزائريين التي تصل إسبانيا عندما قال وزير الخارجية أن النعيم الذي وعد به تبون مواطنيه لا يوجد في إسبانيا. وكل الهجومات الكلامية المتبادلة بين الجزائر وفرنسا ما هي إلا انعكاس لحرب المصالح الدائرة في منطقة الساحل. ففرنسا تستخرج حاجياتها من اليورانيوم لتشغيل مفاعلاتها النووية لإنتاج الكهرباء من مناجم مالي وتشاد، والجيش الفرنسي يتواجد هناك لتأمين هذه الامدادات الحيوية بالنسبة للاقتصاد الفرنسي.

والتواجد الصيني والروسي، المدعوم جزائريا، يشكل تهديدا لاستمرار هذه الامدادات، ولذلك ففرنسا تشهر أنيابها وتلقي بكل ما لديها من قذائف لفظية للتعبير عن غضبها. وليس فرنسا وحدها وإنما أوروبا كلها بدأت تتحلل من النظام العسكري الجزائري خصوصا عندما بدأت ترى كيف العسكر يبتزون مواقفها بواسطة الغاز. 

لقد كان دائما مخطط الروس من وراء دعمهم للجيش الجزائري بالأسلحة المتطورة، ومن ورائهم مرتزقة البوليساريو، طوال أربعين سنة الماضية، هو إنهاك المغرب ودفعه لكي يتخلى عن الصحراء لكي يتمكن الروس من نشر صواريخهم العابرة للقارات بمواجهة خصمهم الأمريكي انطلاقا من شواطئ الأطلسي.

مشكلة الجزائر أن حكامها وضعوها في الخندق الخطأ، فالحلف الروسي الصيني الذي انخرطت فيه الجزائر بشكل كامل مؤخرا، لأسباب اقتصادية وعسكرية، يضع نفسه بمواجهة حلف أنجلوسكسوني بقيادة أمريكا، مما يهدد الجزائر بالتحول إلى ليبيا الثانية.

بالنسبة للمغرب فهو يتسلح استعدادا لمجابهة الأعداء الحقيقيين ويتجنب الخوض في حرب كلامية مع المكلفين بالنباح، فالمغرب حصل على سرب من طائرات بيرقدار المسيرة التركية، وسيشرع في صنع وتطوير طائرات كاميكاز الإسرائيلية، وحصل على ترسانة صواريخ أمريكية AGM-154 JSOW التي يبلغ مداها الأقصى 550 كيلومترا، كما حصل على طائرات درون صينية وطائرات الأباتشي الأمريكية.

المغرب أحسن من يطبق الحكمة القائلة : “من يحب السلام يستعد جيدا للحرب”.

رشيد نيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *