مواكبة: le12.ma
أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أمس الاثنين، أن رهان التلقيح ضد (كوفيد-19) فرصة يشكل فرصة لإعطاء زخم جديد للعمل متعدد الأطراف في العالم.
وقال بوريطة في كلمة المملكة خلال النقاش رفيع المستوى للدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، ألقاها عبر تقنية التناظر المرئي، إن “رهان التلقيح اليوم، بوصفه خط الدفاع الأخير في مواجهة الجائحة، هو في الحقيقة فرصة لتجسيد إرادتنا وقدرتنا، على إعطاء زخم جديد للعمل متعدد الأطراف”.
وبعدما نوه بالعمل الجبار الذي قام به العلماء والباحثون، لبلوغ هدف تطوير واختبار لقاحات آمنة وفعالة، شدد الوزير على أن الهدف الأكبر يبقى ضمان الولوجية الشاملة للقاح، على اعتبار أنه “ملكية مشتركة للبشرية”، بالموازاة مع تأمين توزيع عادل له في جميع الدول والمجتمعات.
وأشار إلى أن التوزيع العادل للقاح يتعدى “الواجب الأخلاقي”، ليشكل أحد مطالب “الأمن الجماعي” الذي أسست عليه منظمة الأمم المتحدة، محذرا من أن شح التطعيم في منطقة من العالم يشكل بؤرة موقوتة لانتكاسة وبائية واسعة النطاق للفيروس.
وقال الوزير إن عواقب هذه الانتكاسة ستكون وخيمة على الاقتصادات الوطنية ورفاهية المجتمعات، مقتبسا مقطعا من الخطاب السامي بمناسبة عيد العرش الذي قال فيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إن “عملنا لا يقتصر على مواجهة هذا الوباء فقط، وإنما يهدف أيضا إلى معالجة انعكاساته الاجتماعية والاقتصادية، ضمن منظور مستقبلي شامل، يستخلص الدروس من هذه المرحلة والاستفادة منها”.
كما أشار بوريطة إلى أن المملكة تحيي العمل الدؤوب الذي تقوم به منظمة الصحة العالمية و(اليونيسيف) ووكالات الأمم المتحدة المختصة، لتأمين ولوجية شاملة وعادلة إلى اللقاحات والعلاج ضد كوفيد-19، وعبرت عن تأييدها لحملة “Only together” التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة، والتي تدعو إلى إتاحة اللقاحات للجميع.
وفي سياق متصل، سجل الوزير أنه لم تسلم أي دولة من الجائحة التي وضعت على المحك قدرات وحكامة الدول، واختبرت بشدة إرادة المجتمع الدولي، “مهددة بنسف ما أنجزناه خلال عقود”.
وأضاف أن أزمة كوفيد-19 فاقمت التفاوتات بشكل غير مسبوق، مشيرا إلى أنه على المستوى السياسي أو السوسيو الاقتصادي أو الأمني أو البيئي، أبرزت الجائحة “الهشاشة” البشرية.
وتابع الوزير أن الجائحة كشفت أوجه قصور عديدة في الحكامة متعددة الأطراف، مؤكدا أنه في الوقت الذي باتت فيه السياسات الوطنية في طليعة الجهود العالمية لمواجهة الجائحة وكبح انتشارها، لم يرق العمل متعدد الأطراف للأسف إلى مستوى التحدي المطلوب.
وأوضح أن القصد هنا ليس انتقاد العمل متعدد الأطراف، بقدر ما هو تقييم عقلاني وموضوعي “لما قمنا به نحن أعضاء الأمم المتحدة بشكل ملموس وعملي”، معتبرا أن الأزمة الوبائية هي أيضا “اختبار” شامل على أرض الواقع لفاعلية المنظومة الدولية، “يضعنا أمام مسؤولية تاريخية”.
وبحسب بوريطة، ينبغي العمل سويا لإرساء نظام عالمي جديد يكون منصة لعمل مشترك فاعل، يتجاوز تصريحات النوايا أو “المرافعة الفكرية” لينتقل بنا إلى مرحلة “التعبئة التحولية”، عبر خارطة طريق عملية، تعزز الأمن الجماعي بكل أبعاده وتتجاوب مع التحديات الحالية والناشئة.
وتابع أن العمل متعدد الأطراف يجب أن يكون رافعة لتحالفات واسعة وعملية، تجمع بين الدول والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية.
علاوة على ذلك، سلط الوزير الضوء على أهمية الانكباب، بشكل جدي وموضوعي، على إشكالية الاعتراف المتبادل باللقاحات المتوفرة حاليا وتلك التي ستنتج لاحقا، وذلك على أساس معايير علمية وصحية وأخلاقية تحظى بإجماع دولي، بعيداً عن الحسابات السياسية أو التسويقية.
وأشار إلى أن المغرب، الذي يؤيد صياغة معاهدة دولية بشأن الأوبئة في إطار هذه المنظمة، يعتزم تنظيم مؤتمر دولي، خلال سنة 2022، حول الاستعداد للجائحات والتصدي لها، بتعاون مع جمهورية رواندا ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، بهدف توحيد الجهود الدولية لتعزيز قدرات الدول على مواجهة الأوبئة والتأهب لحالات الطوارئ.
وأضاف الوزير أن المملكة، وفقا للتوجيهات السامية للملك محمد السادس، نفذت مشروعا طموحا يهدف إلى تصنيع لقاحات ضد كوفيد-19، مضيفا أن هذا الورش المهيكل يتخطى طموح تعزيز السيادة الصحية للمملكة ليسهم أيضا في بناء الأمن الصحي للدول الإفريقية.
وقال إن المغرب، من خلال هذا الورش، يجسد على أرض الواقع سياسته الإفريقية التضامنية كحقيقة ملموسة، مبرزا أن إفريقيا يجب أن تصبح الأولوية الأولى للاستراتيجية الصحية العالمية، فضلا عن السياسات الوطنية للمساعدة الإنمائية.
كما أوضح أن السياق العسير الذي خلفته الجائحة لم يثن المغرب عن مواصلة تعزيز المسار التنموي الذي يقوده الملك محمد السادس، مضيفا أنه بتعليمات من جلالته، فُتح ورش كبير للتفكير العميق والبحث الواسع والعمل التشاركي الاحتوائي، أفضى إلى وضع نموذج تنموي جديد، سينفذ على مدى الـ 14 سنة المقبلة.
واعتبر بوريطة أن هذا المشروع الوطني الطموح يتقاطع تماما مع أهداف التنمية المستدامة ويتجاوزها في بعض المجالات، مبينا أن هذا النموذج أرسى أسسا خلاقة لعقيدة تنموية جديدة ولمبادئ عمل مؤطرة بالثقة والتعبئة والمسؤولية، في سبيل تحرير الطاقات.
وخلص الوزير إلى أن الأمر يتعلق كذلك بخلق الظروف الملائمة لاقتصاد أكثر انفتاحا وابتكارا وتنافسية، ورأس مال بشري أقوى وأفضل تأهيلا لمواجهة المستقبل.