في خرجته الأخيرة قال عبد الإله بنكيران أنه يخاطب المغاربة، والحال أن كلامه موجه للدولة.
وقد بدأ كلامه بالإشارة إلى أن خروجه جاء بطلب من شخص لا ينتمي للحركة الإسلامية ونزولا عند إلحاحه عليه قرر أن يخاطب المغاربة لأنه شعر أن شيئا ما غير طبيعي يتم إعداده. وفي هذه الإشارة تنبيه إلى أن سبب خروجه لم يأت من داخل الحزب وذراعه الدعوية بل من خارجهما، مما يحيل على رغبة بنكيران في استعراض ارتباطات الحزب خارج مدار الحركة الإسلامية.
من خلال خطابه المصور حاول بنكيران أن يحيط كلامه بهالة من الرهبة لكي يوحي لمستمعيه أن أمرًا جللا على وشك الوقوع. وبلغة يختلط فيها الوعيد والتهديد بالابتزاز استطاع أن يصوغ خطابا هذه بعض رسائله:
يخير بنكيران الدولة بين الاستقرار والفوضى ويرهن مستقبل المغرب بالشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة.
والسؤال الذي طرحه كل من استمع لتهديد بنكيران هو متى أصبح مستقبل المغرب يتوقف على شخص رئيس الحكومة أيًا كان حجمه أو حزبه ؟
بنكيران يتحدث كما لو أن المغرب مقبل على موجة جديدة من الربيع العربي، ولكي تخرج منه الدولة سالمة ينصحها بأن تتجنب القبول برؤساء حكومة من حزب التجمع الوطني للأحرار.
هكذا عوض أن تكون الانتخابات تمرينا ديمقراطيا عاديا ووسيلة لاستكمال تشكيل المؤسسات أصبحت أداة تخويف وابتزاز للدولة.
بنكيران يقترح نفسه على الدولة لمواجهة مشاريع العدل والإحسان التي يقصدها في كلامه ويتهمها بافتقارها للفهم في حديثه عن أحلام الثورة التي تراودها.
وطبعا فبنكيران عندما يصف قادة العدل والإحسان بافتقارهم للفهم فهو لا يفعل غير تصريف امتعاض حركة التوحيد والإصلاح التي يجمعها بالعدل والإحسان ميثاق غير مكتوب ينص على الدعم، بسبب قرار الجماعة مقاطعة الانتخابات وحرمان مرشحي العدالة والتنمية وحركة التوحيد والاصلاح من الأصوات التي تعودوا الحصول عليها. فرغم أن العدل والإحسان ظلت ظاهريا مع المقاطعة إلا أن أعضاءها كانوا يصوتون، سواء في انتخابات الهيئات النقابية أو الانتخابات التشريعية والجامعية لمرشحي العدالة والتنمية.
بنكيران مقتنع أنه هو من أنقذ المغرب في 2011، وقد قال أنه يصرح بهذا الأمر بدون تواضع، ولذلك فهو يعتقد أن الدولة في رقبتها دين يجب أن ترده له بحرمان أخنوش وزملائه في الحزب من قيادة الحكومة المقبلة، لأنه إذا حدث وقاد أخنوش الحكومة سيسجل التاريخ، حسب بنكيران، أن هذه أول مرة يحدث أن يصعد رئيس حكومة بالمال الذي يقال أن الحزب اشترى به الأصوات.
وطبعا فبنكيران يستعمل كلمة “يقال” عند حديثه عن هذه الشبهة، أي إنه لا يتوفر على دليل آخر على هذا الاتهام عدا القيل والقال، لكنه مع ذلك لا يتوانى في الاتكاء على هذا “الاتهام” لاستصدار حكم قطعي وهو أن التاريخ سيسجل على المغرب صعود رئيس حكومة بالمال.
والمثير في الفيتو الذي رفعه بنكيران في وجه أخنوش هو أنه عممه لكي يشمل حفيظ العلمي وبنشعبون، فهؤلاء جميعهم برأيه يصلحون فقط كوزراء ولا يمكن أن يصبح أحدهم رئيسا للحكومة، نظرا لافتقارهم للصفات التي اشترط هذا الأخير توفرها في كل من يطمح لشغل هذا المنصب.
بنكيران يعتقد أن الدولة في خطر بسبب تهديدين، التهديد الأول هو صعود أخنوش الذي يمكن أن يتسبب في ثورة في المغرب، كما سبق وأن صرح بذلك أفتاتي، مما يستفاد منه أن هذا القول أوحي له به ولم يكن مجرد “إشراقة” من إشراقات المجذوب، والتهديد الثاني هو جماعة العدل والإحسان التي تريد بالدعوة إلى المقاطعة توفير أسباب إشعال ثورة في المغرب، والحل المتبقي أمام الدولة بنظر بنكيران هو بنكيران وحزبه.
ويختم بنكيران كلامه بنصيحة تنطوي على نبرة تهديدية عندما يخاطب أخنوش قائلا “خذ احتياطاتك”، دون أن يشرح عن أي نوع من الاحتياطات يتحدث ولا من ماذا عليه أن يحتاط.
من يسمع خطاب بنكيران يتخيل أن الدولة فعلا في خطر،
سوى أن الدولة ليست محتاجة لخدمات لا بنكيران ولا لغيره لكي تقوم بواجبها اتجاه الملك والشعب. الدولة التي اجتازت امتحان الجائحة التي زلزلت أقوى دول العالم وخرجت منه سالمة بل وقوية، ليست بحاجة لخدمات رئيس حكومة محال على المعاش لكي يرسم لها خطط الإنقاذ من فزاعة ربيع عربي لا توجد سوى في مخيلة هذا الأخير.
من يريد أن يقنع الدولة بأن صعود أخنوش أو غيره لقيادة الحكومة من شأنه أن يتسبب في غضب شعبي إنما يحاول أن يسوق سيناريو لا نصيب له من المصداقية.
الدولة لديها مؤسساتها وأجهزتها التي تزودها بالتقارير المضبوطة والدقيقة، والأسباب التي يمكن أن تدفع بالمغاربة للاحتجاج هي أسباب اجتماعية مرتبطة أساسا بالحصيلة الكارثية لعشر سنوات التي قاد فيها حزب العدالة والتنمية الحكومة.
المغاربة يريدون رئيس حكومة يتكلم قليلا ويشتغل كثيرا. رئيس حكومة لديه خطة لإخراج المقاولات من غرفة الإنعاش ولديه برنامج لخلق فرص الشغل للشباب ولديه مشروع لتمكين الطبقات الهشة من أسباب العيش الكريم في كل المجالات.
المغاربة يريدون نظاما صحيا جديدا ينقذهم من مصاصي الدماء ويريدون نظاما تعليميا ينقذ أبناءهم من البطالة، ويريدون عدالة اجتماعية وتوزيعا عادلا للثروة.
أن يكون رئيس هذه الحكومة من الأحرار أو غيره من الأحزاب فذلك آخر همهم.
فهمتيني ولا لا ؟
رشيد نيني