تقي الدين تاجي
مع إنطلاق الحملة الانتخابية، لإقتراع الثامن من شتنبر المقبل، طفت على السطح حالة غريبة من التناقض لدى حزب العدالة والتنمية، ففي الوقت الذي لا ينفك يعبر فيه، عن ثقته باحتلال المرتبة الأولى، يصر في نفس الوقت، على توزيع الاتهامات يمنة ويسرة، والادعاء بأن هناك جهات تحاربه، وتسعى الى النيل منه، من أجل “إزاحته” من الخريطة السياسة المقبلة.
آخر هاته الإتهامات، جاءت في البلاغ الذي أصدره أمس الاحد، عقب، الإجتماع الاستثنائي الذي عقدته، أمانته العامة، برئاسة سعد الدين العثماني، الأمين العام للحزب، حيث انتقدت ما وصفته بـ “انخراط رجال وأعوان السلطة في ممارسة ضغوطات على الحزب، تتنافى مع الحياد الذي يجب أن يطبع تعاملهم مع مختلف الهيئات السياسية المشاركة في هذه الاستحقاقات”. وفق تعبير البلاغ
وأوضح البلاغ ذاته، “أنه كان لهذه الضغوطات بالوسط القروي أثرها الواضح على نسبة ترشيحات الحزب، جراء ما تعرض له مناضلو الحزب ومرشحوه سواء من خلال التهديد والترهيب، أو من خلال الوعود والإغراءات من بعض المنافسين وبعض رجال وأعوان السلطة.”
والواقع أن من يسمع مثل، هاته الادعاءات والمزاعم، يعتقد أن الأمر يتعلق بإنتخابات، تجري في إحدى الدول التي تعرف تطاحنات وصراعات طائفية، كحال العراق أو سوريا مثلا، وليس في المغرب، البلد المستقر، بمؤسساته الدستورية، وأجهزته الأمنية والقضائية.
والغريب أن الحكومة، التي يترأسها الأمين العام لحزب البيجيدي، الصادرة عنه مثل هاته الاتهامات الغريبة، هي نفسها التي أقرت تفعيل، حزمة من الإجراءات الصارمة، لضمان نزاهة الانتخابات، من بينها إحداث لجنة مركزية لتتبع مختلف مراحلها، بدءاً من التسجيل في سجلات الناخبين وحتى الوصول إلى مرحلة الإعلان عن نتائج الاقتراع.
وكشفت وزارة الداخلية التي تشتغل ضمن هاته الحكومة، عن تنصيب اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات خلال اجتماع عُقد لهذه الغاية بمقر الوزارة، وذلك على إثر إحداث اللجنة التي تتألف من وزير الداخلية ورئيس النيابة العامة، تنفيذاً لتوجيهات ملك البلاد الملك محمد السادس، الذي ما فتئ يؤكد على ضرورة السهر على سلامة العمليات الانتخابية المقبلة، والتصدي لكل الممارسات التي قد تسيء إليها.
فلماذا إذن لا يتوجه حزب العدالة والتنمية بشكاية رسمية الى هاته اللجان ؟ ذاك ما سنجيب عنه من خلال السطور الآتية.
هذا التناقض في المواقف من طرف حزب “المصباح”، وإصراره على توجيه الاتهامات، لا يعكس في الواقع، سوى خوفا مستترا، من نتائج الانتخابات المقبلة، واستباقا لما ستسفر عنه، من خلال تحميل سلطات الاشراف، مسؤولية تقهقر نتائجه، التي لن تكون، في حال وقوعها، سوى نتيجة للأداء المخيب لأمال المواطنين، الذي بصم عليه هذا الحزب طيلة عشر سنوات، من قيادته للحكومة.
ولذلك يتعمد هذا الحزب، تذبيج البلاغات والبيانات والمقالات، عوض التوجه بشكاياته الى لجنة الاشراف على الانتخابات، لان الهدف الحقيقي، من وراء ذلك، هو تحقيق نوع من البهرجة والفنطازيا، وترويج خطاب المظلومية، الذي يندرج ، ضمن “تكتيك” و”خطة محكمة”، إعتاد عليها هذا الحزب، في حملاته الانتخابية، حتى باتت “ماركة مسجلة بإسمه”.
وهو يلجأ إليها، دائما تزامنا مع الحملات الانتخابية، من أجل إستدارار عواطف الناخبين، إعتقادا منه أن المواطن المغربي، في الغالب يميل الى التصويت للحزب المستضعف.
لكن ما لا يعرفه حزب المصباح، هو أن هاته اللعبة باتت مفضوحة، ولم تعد تنطلي ألاعيبها على المواطن المغربي، الذي أصبح اكثر وعيا بالشأن السياسي .
لقد شكلت الحملة الانتخابية الحالية، عنوانا بارزاً لانهيار الحزب الحاكم، وأظهرت مزاعمه واتهاماته، حالة من الخوف والتوجس على مستقبله السياسي، واستباقا لحصده نتائج مخيبة، ولذلك فهو من خلال هاته الاتهامات لا يقوم سوى “برقصة الديك المذبوح” ، مستفيدا من “ترفع” الأحزاب الأخرى، عن الخوض في مثل هاته المهاترات، للاستمرار في الترويج لاطروحاته التي لم يعد يصدقها أحد.