ت ت
في الحروب، تكون دائما الحقيقة هي أول الضحايا. ولذلك استغل كثيرون، مقطع فيديو قصير يوثق، لتدخل غريب من طرف “سيدة” بلباس مدني، تطلب من رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، أمس الأحد مغادرة منصة مداخلته السياسة في المسرح الملكي في مراكش، و الالتحاق بها لأمر ما، دون معرفة سياقات اللقطة، قبل أن يتضح لاحقا، أن الامر، يتعلق بالباشا “نوال العسيكري” رئيسة منطقة الحي العسكري الشتوي.
لقد تدخلت السيدة الباشا لإيقاف نشاط حزبي للأحرار بالمسرح الملكي لمراكش”، على خلفية ما اعتبرته مخالفة حالة الطوارئ الصحية، وللإجراءات التي سبق وأن وضعتها وزارة الداخلية لمصاحبة الحملة الإنتخابية للأحزاب.
وبغض النظر عن كون، اللقاء كان في الأساس مبرمجا فقط مع مرشحي الحزب، قبل أن يتوافد عدد من المواطنين على القاعة، بعد علمهم بتواجد “عزيز أخنوش”، وقانونية تدخلت ممثلة السلطة من عدمه، فإن السؤال المطروح ، هو مدى مشروعية ما قامت به الباشا المذكورة ؟ وهنا نضع خطين بارزين تحت مصطلح “مشروعية”.
ذلك أن هناك فرق كبير بين “الشرعية والمشروعية”، فتدخل الباشا وإن كان في ظاهره شرعيا، فهو غير مشروع، لعدم إحترامه مجموعة من الشكليات التي يتوجب الالتزام بها، في مثل هاته الوقائع، وفي مقدمتها ضرورة ارتداء الزي النظامي.
فالقوانين المؤطرة لتدخلات رجال السلطة واضحة في هذا الباب، وتلزم كل مسؤول ترابي، وكل عون آخر يمثل القوة العمومية والسلطة التنفيذية، بحمل شارات وظيفته، عند التوجه لفض تجمع ما، أو لتنفيذ أي تدخل مشابه، فضلا عما يستلزمه ذلك من ضرورة التعريف بنفسه، والإعلان عن وصوله.
والحال أن السيدة الباشا، قفزت على كل تلك الإجراءات الشكلية، بتوجُهها رأسا، وبلباس مدني، لا يعكس صفتها المهنية، صوب رئيس الحزب عزيز اخنوش، الذي بدا الاستغراب واضحا على ملامحه، وهو يرى سيدة غير معروفة، تلكزه من الخلف، وتطلب منه مرافقتها. إلى أين الله أعلم؟.
فكيف له إذن، أن يتأكد، والوفد المرافق له، ومسؤولي تنظيم المنصة، بأن الامر يتعلق فعلا بمسؤولة ترابية، وليس بشخص يتربص به سوءا “لاسمح الله”، خاصة وأننا في زمن انتخابي، كل شيء فيه وارد، وقد رأينا كيف تطورت خصومات سياسية، خلال الحملة المتعلقة بالانتخابات المهنية، الى “مناوشات جسدية واصطدامات”.
ولعل السيدة الباشا بهذا التدخل ساهمت أيضا من حيث لا تدري، في تشجيع بعض رجال السلطة على عدم ارتداء الزي النظامي”، بما يجعل من يرغب في ذلك، التقدم الى أي مواطن أعزل، بسروال “دجينز وقميص صيفي”، ليطلب منه الامتثال لأومره خارج ما يقتضيه القانون.
وزيادة على ذلك،هل توجهت السيدة الباشا أولا الى اللجنة التنظيمية، لاطلاعها على سبب حضورها، ومن تم إبلاغ الرئيس أخنوش بالموضوع، دون إحداث كل هاته الجلبة و”الفرجة المسرحية ” غير المفهومة؟.
ثم ما رأي السيد “كريم قسي لحلو”، والي جهة مراكش- آسفي وعامل عمالة مراكش، في ما بدر من هاته الباشا، من تصرفات غير مؤطرة، وهو القادم من مديرية الشؤون العامة بوزارة الداخلية، حيث كان يضطلع بتأديب، رجال ونساء السلطة، على المخالفات التي يقترفونها؟.
إن المغرب دولة مؤسسات وهذه المؤسسات ينبغي أن تنبري لتحصين الوطن من مثل هاته التصرفات المعزولة، ضمانا لأمن المواطنين وكرامتهم، من جهة، وضمانا لهيبة الدولة من جهة أخرى.
ولا شك أن هذا التصرف يبقى معزولا، عن سياسة وزارة الداخلية، التي ما فتئت تسعى، لأن تكون جميع تدخلات رجال السلطة التابعين لإدارتها، مؤطرة بالقانون، وآخذة بعين الإعتبار المقتضيات الدستورية في هذا الباب، تنزيلا للتوجيهات الملكية السامية.
وبصرف النظر عن حيثيات الواقعة المشار اليها، فرب ضارة نافعة، فقد جاء تدخل الباشا لايقاف نشاط يترأسه عزيز أخنوش، ليخرس أفواه هواة “الاصطياد في الماء العكر”، الذين ما فتئووا يكيلون الاتهامات للرجل، وترويج الدعايات المغرضة بشأنه، ليتأكد بالملموس للجميع، أن “أخنوش” مثله مثل جميع المواطنين، يسري عليه ما يسري عليهم.
وقد رأى الجميع إنضباطه لقرار السيدة الباشا، الذي وإن كان مقبولا من حيث المضمون، يبقى مرفوضا شكلا، لعدم احترامه الاجراءات والضوابط الواجب التقيد بها في مثل هاته التدخلات، كما أسلفنا الذكر.
والواقع أنه لو كان تدخل الباشا، لإيقاف نشاط لسعد الدين العثماني، لنفخ أنصاره “البيجيدي” حينها الأشداق، وأشهروا ورقة “المؤامرة التي تتربص بهم”، و”التعليمات الفوقية” و”الحصار” و”التحكم” وهلم جرا من مصطلحات واتهامات.
ومما لا شك فيه، أن سياقات مماثلة، تسمح للدعاية المضادة بأن تجد مكاناً لها وتوفر معطيات للخصوم من ذوي العقول الضيقة المنغلقة والرؤى المحدودة، كي يمضوا بقراءاتهم وإتهاماتهم، لا سيما في زمن إنتخابي كالذي نعيشه.
وتبقى هاته الإتهامات، جزء من صناعة وتأبيد صور نمطية عن الخصم، وهي إستراتيجية يجيدها الحزب المعلوم، لتأطير علاقته وعلاقة جمهوره مع الخصوم عامة وفي حالات الإشتباك معهم على وجه الخصوص.
وإذا كان أخنوش، قد خرج من المسرح الملكي بأكثر من إنتصار، فإن السيدة باشا كليز لايمكن محاسبتها على تطبيق القانون في حقه كباقي المواطنين وهو ما امتثل له في الحين، ولكن وجب تطبيق القانون في وجهها لإخلالها على الأقل بعدم التقيد بإرتداء”التريي”، لأن البلاد في حالة طوارىء يا معالي الباشا نوال العسيكري.
يا صاحب المقال، رجل سلطة يشتغل بالزي المدني، وله الحق في التدخل في جميع الظروف. نحترم ااسيد اخنوش ورجال السلطة، طبق القانون ولن يصلك رجل السلطة