طلحة جبريل
تصادف أن كان جاري في الطائرة المتجهة من الدوحة إلى الخرطوم “جان فيليب غيمي،” رئيس مكتب صحيفة لوموند في إفريقيا.
كان مكتب الصحيفة في جوهانسبيرغ في جنوب افريقيا، لكنه انتقل إلى العاصمة الكينية نيروبي.
تماثل نيروبي العاصمة السنغالية داكار في جذب المراسلين الصحافيين. إذ نيروبي تعد أهم مركز صحافي في شرق افريقيا، كما هو شأن داكار في غرب إفريقيا.
زار فيليب غيمي الخرطوم عدة مرات. أصبح خبيرا في الشأن السوداني، معلوماته يعتد بها.
الإشكال في الشأن السوداني أن شكوى الصحافيين هي من كثرة الأخبار وليس من قلتها، لكن فرز الأخبار الموثوقة عن الأخبار الزائفة مسألة شائكة.
سمعت من الصحافي الفرنسي أن موقف دول الاتحاد الأوربي وأميركا، متطابق تجاه التطورات المتلاحقة في السودان. موقف يمكن تلخيصه كالتالي: الدعوة إلى توحيد الجيش، إذ توجد حاليا عدة مجموعات مسلحة ورديفة ومليشيات،خاصة بعد توقيع اتفاقيات “سلام” مع عدد من الحركات المسلحة.
الأمر الثاني تحديد موعد للانتخابات.
مقابل ذلك عودة كاملة للمجتمع الدولي وتقديم مساعدات مالية وإسقاط الديون.
بيد أن الأمور في الجانبين تراوح مكانها.
إذ إن مراكز صنع القرار متداخلة، وفي هذا الصدد هناك هيمنة واضحة من طرف ما يطلق عليه في السودان “المكون العسكري” في مجلس السيادة(رئاسة الدولة).
كيف ولماذا، تلك قصة طويلة.
أقول واثقاً من خلال مشاهدات وما سمعت وقرأت،إن مشاعر قلق آخذة في التزايد من إمكانية إنزلاق البلاد نحو حكم شمولي يكون أقل تسامحاً، بالموازاة هناك نبرة متصاعدة عن “المظلومية”، وتكريس واضح للنعرات الإثنية والقبلية، وهي آخذة في التأجج.
هذه حالة تقود حتماً إلى تشويه الحاضر وتعريض المستقبل للمخاطر.
لاحظت كذلك أن تردي الأوضاع المعيشية أدت إلى تآكل الطبقة الوسطى التي باتت تتملكها المخاوف، في حين يتملك الخوف شريحة الميسورين والوسطاء.
قطعاً ليس هناك ما هو أسوأ لأي بلد أن يستيقظ سكانه كل صباح ويتساءلون بشيء من القلق والألم عن مصير مجهول.
في الخرطوم ، كما قال مرة نزار قباني إما أن تكون شاعراً أو أن تكون مهموماً أو عاطلاُ عن العمل.
لكن وسط حالة الحزن السائدة في الخرطوم تبقى روح التحدي موجودة بين الناس.
نعم هناك مزاج غاضب وسط السكان لأن البلاد لم تشهد سوى القليل من تحسن الأوضاع الاجتماعية أو نشر الديمقراطية خلال فترة انتقالية بدأت في أبريل عام 2019 ، مع وجود شعور متنام بالإحباط من طريقة توفير الاحتياجات اليومية،
لذلك لا يتذكر الناس وقتاً كانت فيه البلاد تواجه في الوقت نفسه مثل هذه المجموعة من المشاكل المستعصية.