مجلس النواب، 22 يونيو 2018
السيد François DE RUGY، رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية،
السيد Gérard LARCHER، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي،
السيد عبد الحكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين،
الزميلات والزملاء،
السيدات والسادة،
تغمرني سعادة كبيرة وأنا أفتتح معكم أشغال الدورة الثالثة للمنتدى البرلماني المغربي-الفرنسي الذي يُجَسدُ انتظامُ انعقادِه عمقَ ومتانةَ العلاقات الفرنسية المغربية وأهميةَ الدبلوماسية البرلمانية ودورَها في تَرْصِيد المكتسبات في علاقاتنا الثنائية، واستشراف آفاق جديدة للروابط التاريخية المتنوعة التي تجمع بَلَدَيْنَا مع استحضار المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة والتي تعزز، يوميا، تَصْمِيمَ فرنسا والمغرب على توطيد علاقاتهما، وعلى أن يَكُونَا فَاعِلَيْنِ إيجَابِيَّيْنِ في الساحة الدولية وفق رؤية لا تُفَرِّط في القيم الإنسانية التي يتقَاسَمَانِهَا.
وفي إطار هذه الرؤية المتوجهة إلى المستقبل حصل التوافق على اختيار المحاور الأربعة لمنتدانا البرلماني الثالث، تحت شعار مركزي وهو “الشراكة المغربية الفرنسية : الآفاق الإفريقية”، وهي قضايا تتصف بالراهنية سواء في علاقاتنا الثنائية أو المتعددة الأطراف أو على المستوى الدولي. فسواء تعلق الأمر بـمحور “السياسة والاستقرار” أو “الهجرة وتنقل الأشخاص” أو “التعاون الاقتصادي” أو “صيغ التعاون الممكنة من أجل تنمية مستدامة بإفريقيا”، فإن المغرب وفرنسا يَتَقَاسَمَان الرؤية نَفْسَها، بل إِن لَهُمَا مساهماتٍ ومبادراتٍ مشتركة، ومقارباتٍ متقاربة إن لم تكن متطابقة.
وتنهض العلاقات المغربية الفرنسية على تاريخ مشترك يتأسس بدوره على عدة مرتكزات وأبعاد منها الثقافي متمثلا في الثقافة واللغة الفرنسية، والاقتصادي متمثلا في الشراكة الاستثنائية والمبادلات التجارية المكثفة، والبشري متمثلا في حجم ونوع الجالية المغربية في فرنسا، وخلال السنوات الأخيرة بوجود جالية فرنسية نوعية في المغرب. ويظل المشترك بالطبع في كل هذا، هو ما نتقاسمه من قيم كونية إنسانية.
و تتعزز العلاقات المغربية الفرنسية بتوجه المغرب نحو أروبا وانفتاحه التاريخي ومبادلاته مع بلدان ضفة شمال المتوسط. وهكذا، فإن الشراكة المغربية الأوربية تعتبر بالنسبة للمملكة، اختيارا استراتيجيا ثابتا وإراديا يمليه القرب الجغرافي وعوامل التاريخ و المنافع المشتركة.
وبقدر ما كان البناء الأوربي يتعزز ويتوسع ويتعمق، بقدر ما كانت العلاقات المغربية الأوربية تتوطد وتتسع قطاعيا وتترسخ سياسيا، إذ كان المغرب أول بلد من الضفة الجنوبية للمتوسط ومن إفريقيا يبرم اتفاقا مع السوق الأوربية المشتركة عام 1969، وأول بلد يحصل على صفة الوضع المتقدم في علاقاته مع الاتحاد الأوربي في أكتوبر 2008 .
وإنه لمن باب تحصيل الحاصل التذكير بالدور الرائد والمركزي الذي قامت به وتقوم به فرنسا في مسلسل تعزيز العلاقات المغربية الأوربية كما بدورها المركزي والحاسم في البناء الأوربي وتطويره. ولئن كانت العلاقات المغربية الأروبية تمر أحيانا بحالات عدم التفاهم نتيجة سوء فهم بعض الأطراف، أو بالأحرى سوء تقديرها، أو دفاعا عن منافع ضيقة ، فإن المغرب، المتشبث بسيادته و المدرك لشرعية حقوقه والمتيقن من نجاعة الإصلاحات التي يعتمدها والسياسات التي ينفذها، كان يجد دوما في فرنسا ذلك الشريك المتفهم، الموثوق والمدافع عن قضايا المغرب. وهذه هي قيمة الوفاء التي تطبع علاقات بلدينا.
السادة الرؤساء
السيدات والسادة،
بالموازاة مع هذا التوجه في علاقاته نحو الشمال، أسس المغرب لتعاون وشراكات نوعية مع بلدان الجنوب وخاصة مع عمقه الإفريقي الذي يعتبره اختيارا استراتيجيا يعزز الشراكة المغربية الأوربية وخاصة الشراكة المغربية الفرنسية .
وتندرج القضايا التي تشكل محاور بحث منتدانا الثالث، في صميم هذه الشراكات وفي قلب اهتمامات المغرب وفرنسا. وأعتقد أنه بتقديم الأجوبة الملموسة والعملية والناجعة والديمقراطية أيضا، على هذه الإشكاليات الراهنة في التعاون شمال –جنوب وجنوب –جنوب، ستسير سياساتنا، كبرلمانات وحكومات وقطاع خاص، في الاتجاه الذي يخدم الاستقرار والرخاء المشترك، اي خدمة الإنسان بما هو كذلك.
وما من شك في أن الدور المحوري والحاسم لفرنسا في الاتحاد الأوربي والدور الحيوي والأساسي الذي يضطلع به المغرب في الاتحاد الإفريقي، والشراكات التي يقيمها في الإطارات الثنائية مع أغلبية البلدان الإفريقية، كل ذلك، سيساعد على تحقيق هذا الرهان.
السادة الرؤساء
السيدات والسادة،
في محور السياسة والاستقرار، تواجهنا عدة أسئلة نختصرها في السؤال التالي: ما السبيل إلى استعادة السلم والاستقرار والأمن في عدد من مناطق العالم وخاصة في محيطنا الأورو-متوسطي حيث تتسبب النزاعات الداخلية والطائفية والعابرة للحدود وانهيار الدولة في بعض البلدان في مآسي كبرى وفي انهيار الاقتصاد وفي عمليات نزوح جماعي.
وفي ما يخص الهجرة وتنقل الأشخاص اعتقد ان المسؤولية السياسية والأخلاقية تقتضي بأن نتعاطى مع معضلة الهجرة والنزوح من منظور إنساني دامج ومتبصرٍ، والتصدي لجذور هذه الظاهرة العالمية والتاريخية، ذلكم أن الذين يغادرون بلدانهم ويغامرون في الأدغال والبحار،إنما يقومون بذلك مَدْفوعين إما بالظروف المناخية الصعبة أو الحروب أو التطهير العرقي أو الفقر أو البطالة المزمنة. وعِوَضَ إغلاق الحدود وبناء الجدران لصد المهاجرين، ينبغي بناء جسور التعاون.
وكما سبق لجلالة الملك محمد السادس، رائد الاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة، أن دعا إلى ذلك، فإنه ينبغي تصحيح العديد من التمثلات بشأن الهجرة خاصة الإفريقية منها، وفي مقدمتها، كما أكد جلالته، أن من أصل خمسة مهاجرين أفارقة، أربعة يهاجرون داخل القارة، وأن الهجرة غير القانونية لا تمثل سوى خُمُس 1/5 إجمالي الهجرة الدولية وأن 85% من عائدات المهاجرين تُصرف داخل دول الاستقبال.
وعلينا كديموقراطيين، أن نتصدى لخطابات الكراهية والانطواء، وللتوظيف السياسي للهجرة واستعمالها كَفَزَّاعَة سياسية لتحقيق رهانات سياسية وربح معارك انتخابية وتغذية الشعبوية. وبالتأكيد فإن لِفَرنسا، مَهْدَ الحريات وَبَلَدَ الاستقبال والإدماج بامتياز، ولِلْمغرب أرضَ تقاليد الاستقبال والانفتاح، والذي ينفذ منذ 2013 سياسة هجروية جديدة دامجة ببعد إنساني تضامني، (بالتأكيد) إِنَّ لُهُمَا، دورا ينبغي أن يَضْطَلِعا به، ومسؤولية ينبغي أن يتحملاها باعتماد سياسات جريئة تتجاوز الاستقبال، إلى التصدي لجذور الظاهرة أي المساهمة في تنمية البلدان الأصلية وتسوية والوقاية من النزاعات العابرة للحدود والنزاعات الداخلية التي تتسبب في انهيار الدولة في بعض مناطق جنوب وشرق المتوسط على الخصوص.
إن التعاون شمال-جنوب، ومبادئ وقيم حقوق الإنسان الكونية مُمْتَحَنَةٌ في تدبير إشكالية الهجرة كما في تحقيق التنمية وتسوية النزاعات.
وبالتأكيد فإن هذا التعاون لن يحقق المتوخى منه مَالَمْ يرتكز على تطوير وتعزيز التعاون جنوب-جنوب الذي أصبح اليوم جزءاً من فلسفة الحكم، ومن الاختيارات الثابتة لسياسة المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس الذي يحرص ويرعى في الميدان سياسة مغربية افريقية متأصلة وفريدة.
السادة الرؤساء
السيدات والسادة،
حسنا فعلنا باختيارنا موضوع التعاون الاقتصادي محورا ثالثا لمنتدانا هذا حيث تستفزنا عدة أسئلة حول حصيلة العولمة اليوم، ولماذا ما تزال عدة شعوب بعيدة عن الاستفادة من الازدهار الناجم عن تحرير المبادلات الدولية؟ وما هي التحديات التي قد تنجم عن الخطابات والإجراءات الحمائية التي تهدد بها بعض القوى اليوم؟ وكيف ينبغي للتعاون جنوب-جنوب ان يعزز المبادلات شمال- جنوب؟ وفي إطار الشراكة المغربية الفرنسية، ما السبيل إلى جعلها تتوجه الى إفريقيا ببعد إنساني تضامني.
وما من شك في أن الاستثمار الأمثل لما تفتحه الشراكة المغربية الفرنسية من آفاق في إفريقيا على أساس مقاربات جديدة تفضل التضامن ويكون محورها الإنسان وتتوخى الاستدامة،سَيُعطي نَفَساً جديداً للتعاون على المستوى الدولي الذي هو أصلا في حاجة للتجديد.
و إذا كانت فرنسا والمغرب رائدَيْن في عدد من الاستثمارات القطاعية في إفريقيا، فإنهما مطالبان مع ذلك، برَفْعِ تَحَدِّيات المنافسة وتحفيز مقاولاتهما على اعتماد الانتقالات الضرورية حتى لا تتخلف عن التقدم السريع الذي تعرفه إفريقيا، وحتى َتساير التحولات التي تشهدها القارة.
السادة الرؤساء
السيدات والسادة،
لم يكن اختيار موضوع “صيغ التعاون الممكنة من أجل تنمية مستدامة بإفريقيا” اعتباطيا، بل رسالة في اتجاهين : أولهما تتمثل في التأكيد على خطورة إشكالية الاختلالات المناخية، والثانية في اتجاه إفريقيا بالتأكيد على التزام بلدينا إزاء هذه القارة في ما يرجع الى قضايا البيئة.
وفي هذا الصدد ينبغي التذكير بأن الشراكة الخلاقة والاستثنائية التي نسجها المغرب وفرنسا من أجل البيئة في مؤتمري الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة من أجل المناخ COP21 في باريس وCOP22 في مراكش، جعلت إفريقيا في قلب الانشغال الدولي في ما يرجع إلى قضايا البيئة. ويتعين علينا بعث دينامية جديدة في الآليات التنفيذية للقرارات الدولية في هذا الشأن بجعل الالتزامات المالية الدولية (من خلال الصندوق الأخضر، على الخصوص) عملية وملموسة. إنها مسؤولية أخلاقية وسياسية ينبغي أن نتَحَّملَها بإعادة الروح إلى الترافع الدولي من أجل العدالة المناخية لإفريقيا.
السادة الرؤساء
السيدات والسادة
بالتأكيد، فإن فرنسا التي تُقيم علاقات عريقة مع عدد كبير من البلدان الإفريقية، والمغرب الرَّاسِخ انتماؤُه العريق إلى القارة، والذي يعتمد سياسة افريقية متميزة جعلت منه المستثمر الأول في القارة من بين بلدانها ، مَدْعُوَانِ إلى تطوير شراكة جديدة متعددة الأطراف باتجاه إفريقيا، سياسة مبنية على التضامن، وتُسْعِف في رفع التحديات التي تواجهها.
أجدد الترحيب بكم وأشكركم على حسن الإصغاء.