عبد الإله الدغوغي

 

مع قرب كل موعد انتخابي، يطفو على السطح النقاش حول العرض السياسي للأحزاب وتأثيره على سلوك الناخبين.

في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، يسلط الباحث عبد المالك أحزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس الضوء على هذا الموضوع، متطرقا للتكهنات بخصوص نتائج الاستحقاقات المقبلة.

1- كيف تنظرون إلى طبيعة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة؟

تشكل الانتخابات التشريعية الرهان الرئيسي للقوى السياسية، إلا أن عروضها تظل دون تطلعات الناخبين، لاسيما الشباب منهم. هناك موعد انتخابي جدي تتعدد رهاناته، وبالتالي ونظرا لأن المشهد السياسي المغربي مشتت كليا، فإنه يتوقع أن تكون هناك تغييرات كبيرة حتى لو كان القاسم الانتخابي يحد من اكتساح الأحزاب الكبيرة ويسمح لتلك الصغيرة بالحصول على موقع في الخريطة السياسية وانتزاع مقاعد في مجلس النواب.

بالفعل، التشكيلات والقوى السياسية الرئيسية التي تخوض معركة شرسة منذ أسابيع قليلة، تضع اللمسات الأخيرة على تحضيراتها لخوض جميع الاستحقاقات (التشريعية والجماعية والجهوية)، مع التركيز بشكل خاص على الانتخابات التشريعية التي تشكل واجهة المشهد السياسي.

فضلا عن ذلك، يصعب تحقيق نتائج مهمة تفضي إلى الأغلبية بالنسبة لكافة الأحزاب السياسية. وبناء على هذا المعطى، لا يمكن للأحزاب السياسية الفوز بأكثر من مقعد واحد في اللوائح الجهوية، أو مقعدين في أحسن الأحوال، على عكس التجارب السابقة.

من جهة أخرى، تأمل الأحزاب الكبرى في الحفاظ على نفس الموقع، لكن الأمر صعب للغاية بحكم أن العرض السياسي تطبعه ظاهرة الترحال التي سيكون لها تأثير على تموقعها.

2- أمام العروض السياسية للأحزاب التي توصف غالبا بأنها غير كافية، هل ستكون اختيارات الناخبين خلال الاستحقاقات المقبلة نابعة من القلب أم العقل؟

على بعد أيام من استحقاقات 8 شتنبر، نلاحظ أننا أمام أربعة أحزاب سيحتدم التنافس بينها وهي العدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار الذي يراهن على الظفر بانتخابات 2021.

وحتى الآن، وباستثناء حزب العدالة والتنمية، لم يعلن أي حزب بوضوح هذا الطموح، بما فيهم حزب الاستقلال الذي يلوح صناع القرار فيه بشروط للمشاركة في الانتخابات المقبلة.

بالمقابل، يبدي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة طموحا شخصيا في رئاسة الحكومة، في وقت يعمل حزبه على البحث عن تثبيث موقعه على الساحة السياسية. وعلى العموم، تعتبر هذه الأحزاب الأربعة في الواجهة، وإن كان اثنان منها يعبران بوضوح عن أهدافهما.

ويبدو حزب التجمع الوطني للأحرار أكثر حظا للفوز بهذه الانتخابات، يبقى أن نلاحظ إلى أي حد يمكن أن يعبئ الناخبين في تنوعهم الاجتماعي، من مناضلين ومتعاطفين وشباب وأعيان.

وأتوقع أن تكون هناك مشاركة قوية لاعتبارين رئيسيين، أولهما أن الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية ستجرى في اليوم نفسه، وبالنظر إلى أن الانتخابات الجماعية هي استحقاقات للقرب وذلك قد يشجع على المشاركة. وثانيا أن انتخابات 8 شتنبر تأتي غداة عام فلاحي جيد حيث أن المحصول الوفير سيكون حافزا، لاسيما في العالم القروي.

كما أن حزب التجمع الوطني للأحرار غير تماما تموقعه بشأن بعض السياسات الاجتماعية، منها التعليم والصحة، في حين أن حزب الأصالة والمعاصرة الذي يعيش أزمة داخلية قد يحل ثانيا أو ثالثا في هذه الانتخابات، بينما قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة لولاية ثالثة قد تدخل البلاد في مأزق اقتصادي واجتماعي، لذلك أرى أنه من المستحيل أن يفوز هذا الحزب بالانتخابات التشريعية المقبلة، بالنظر إلى السياق الصعب، ولخيبة الأمل السائدة بين بعض مناضليه ووسط الطبقة الوسطى، ولا سيما من الموظفين، مما سيكون له تأثير على نتائج الحزب.

3- كيف يمكن تجنب التذبذب الانتخابي، وحث المواطنين على التوجه نحو صناديق الاقتراع؟

العروض الحالية هي دون طموحات الناخبين، على اعتبار مسألة الترحال التي يلجأ إليها المنتخبون. تنضاف إليها خيبة أمل الناخبين، مما يبرر التذبذب الانتخابي.

فحتى وإن كان دستور 2011 يمنع الترحال السياسي من أجل التوفر على برلمان مستقر وذي مصداقية، يلاحظ، مع الأسف، أنه في جميع التشكيلات، وخاصة الأحزاب الكبرى، لا زال هذا الترحال قائما.

وهذا النوع من الممارسات مس بصورة المشهد السياسي المهزوز أصلا، في وقت تحث كافة القوى السياسية على ضرورة الالتزام باستعادة ثقة الناخبين المفقودة. فهذه المسألة تظل دائما مطروحة.

الجميع يدعو، وبشكل مخجل حتى الآن، إلى حملة قائمة على برامج ومناقشة الأفكار حول دور المشرعين في التغلب على الخلل الوظيفي. يجب إجراء التعديلات اللازمة على مستوى الآليات الدستورية والممارسات البرلمانية والجماعية لتشجيع الناخبين.

لكن الأساسي اليوم هو إيجاد ائتلاف حاكم على أساس أغلبية منسجمة. والانطلاق في الاستحقاقات المقبلة على أساس الناخبين المسجلين وليس على المصوتين يدفع إلى توقع فسيفساء من الأحزاب ب5 و8 و80 مقعدا. لذلك، لن نكون أمام أقطاب سياسية واضحة يعد وجودها أمرا أساسيا للتناوب.

4- في رأيكم، هل تبدو الاعتبارات الجغرافية عاملا حاسما في رسم المشهد السياسي والانتخابي؟

في التجارب البرلمانية السابقة منذ عام 1962، كانت مسألة المجال، سواء كان قرويا أو حضريا، حاسمة في تقييم النتائج السياسية. بيد أن اليوم، لا الإيديولوجيا ولا الجغرافيا تدخلان في حساب دراسة سلوك الأفراد، مع العلم أننا نتعامل مع أحزاب سياسية تشتغل خارج المعتقدات الإيديولوجية مع غياب خطوط واضحة تميز بين مختلف الأحزاب.

وحتى بالنسبة للجغرافيا، نجد مثلا أعيانا في صفوف حزب التقدم والاشتراكية كتشكيل سياسي حضري ورجال صناعة ضمن قيادة حزب الحركة الشعبية، وهو تشكيل يمثل العالم القروي.

بمعنى أن الهوية المجالية لم تعد تؤخذ في الاعتبار، والأحزاب تشتغل بغض النظر عن الخصوصيات الجهوية أو الجغرافية. فالشيء الأهم هو الحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات والمقاعد.

وبالنظر إلى التحولات التي مر بها العالم القوي على مر نحو الثلاثين عام ا الماضية، فإننا نشهد ترييف المدن وتحضر القرى إلى جانب ظواهر الانفتاح أو التنوع.

كل هذه المحددات والظواهر تثبت بشكل قوي أن الجغرافيا لم تعد عاملا حاسما في دراسة السلوكيات الانتخابية. إن تدفق الهجرة نحو المدن بما له من مظاهر اجتماعية واقتصادية (هوامش المدن…) سيؤثر بالتأكيد على سلوك الناخبين.

5- التناوب السياسي فرصة لتحقيق انفراج في المشهد السياسي، ما هي قراءتك في توزيع الأوراق ما بعد الانتخابات؟

من الصعوبة بمكان انتظار تناوب، حيث ستفضي انتخابات 8 شتنبر إلى 4 أو 5 أو 6 أحزاب سيكون لها عدد متساو إلى حد ما من المقاعد. وسيطلب منها التحالف فيما بينها لتشكيل الحكومة المقبلة. والأمل أن لا يتكرر سيناريو عام 2016، بحكومة غير متجانسة تماما وعاجزة عن تنفيذ نموذج تنموي جديد، حيث تشكلت تحالفات على أسس غير واضحة.

وإزاء هذه الفسيفساء من الأحزاب التي ستطالعنا بعد 8 شتنبر، من السابق لأوانه التكهن بالتحالف الحكومي مستقبلا على أساس تناوب فعلي قائم على الإيديولوجيا والقناعات وبناء الأقطاب وتيار يميني وآخر يساري.

والسبب راجع إلى أن الأحزاب لا تتردد في التشجيع على الترحال من أجل استقطاب مرشحين “مضمونين” والرفع من نتائجها. لذا، سيكون من المبكر الحديث عن أغلبية مستقرة ومنسجمة تتوفر على برنامج قابل للتحقيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *