le12.ma –وكالات
تزايدت في العديد من دول العالم، وفي أوربا على وجه التحديد، التوجّهات اليمينية المتطرفة، ما انعكس على الانتصارات التي حققتها أحزاب اليمين في تلك الدول، وأخذت تشق طريقها إلى فضاء أكبر، مثل البرلمان الأوربي.
وليست هذه التوجهات المتزايدة نحو اليمين وليدة اللحظة في 2018، بل كانت بوادرها قد ظهرت في أوقات سابقة، إذ استفادت التيارات اليمينية عموما، واليمينة المتطرفة على وجه الخصوص، من فشل الحكومات والأنظمة القائمة في العديد من الدول في التعامل مع الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية، كما فشلت في التعامل مع قضية اللاجئين والمهاجرين.
وبما أن تنامي اليمين المتطرف وزيادة الشعبوية أصبح أمرا شائعا وتيارا مُهدِّدا للاستقرار، فقد سارع أنطويو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى التحذير من تنامي الشعبوية في أوربا خصوصا، والعالم عموما. ففي اجتماع لمجلس حقوق الإنسان في جنيف (فبراير 2017) قال غوتيريش إن هناك تزايدا في مظاهر الشعبوية والتطرف… وإن الشعبوية والتطرف يعزّزان بعضهما البعض عبر العنصرية والكراهية ضد الأجانب ومعاداة الأجانب.
وكان البابا فرنسيس قد حذّر، في وقت سابق، في مقابلة مع صحيفة “إل باييس” الإسبانية من “الحركات الشعبوية”، مشيرا إلى أن سببها يعود إلى الأزمات وتدفع، بالتالي، إلى انتخاب “منقذين” وإحاطة النفس بـ”أسلاك شائكة”.
ومن بين الأزمات التي أشار إليها البابا فرانسيس، بالتأكيد، سبب اندلاع احتجاجات “السترات الصفراء”، أي الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب الأسباب الاجتماعية، متمثلةً في اللاجئين والمهاجرين، مثلما حدث في إيطاليا، بعدما خرج المتظاهرون لتأييد فوز اليمين المتطرف المناهض للهجرة واللجوء.
مع بروز أزمة اللاجئين إلى أوربا وتنامي الإرهاب، ظهرت بقوة أحزاب اليمين المتطرف وأخذت تعزز حضورها في برلمانات بلدانها، بعد أن حصدت مقاعد كافية خلال الانتخابات التشريعية في السنوات القليلة الماضية. وأخذت هيمنتها أخذت تتسع أكثر في 2018، وربما تهيمن أكثر في انتخابات البرلمان الأوربي في مارس 2019.
كما شكّل فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانتخابات نونبر 2016 دفعة قوية للأحزاب اليمينية “الشعبوية” الأروبية، التي عبرت عن حماسة كبيرة في وصوله إلى السلطة حين التقى زعماء أحزاب اليمين المتطرف في اجتماع في ألمانيا في ما وصف بأنه “قمة أوربية” مضادّة تجسد طموح اليمين المتطرف قبل الانتخابات التشريعية في هولندا (في مارس المقبل) والانتخابات الرئاسية في فرنسا (في أبريل وماي) والانتخابات التشريعية في ألمانيا (نهاية شتنبر 2018).
في السنوات القليلة الماضية، بدأت أوربا تتجه أكثر نحو التطرف أيضا، مستغلة الأزمات الاقتصادية وأزمة اللاجئين وزيادة الكراهية للأجانب. وهكذا فاز اليمين في الانتخابات في العديد من الدول الأوربية، وإن لم يحقق انتصارات ساحقة فإنه، بالتأكيد، يوسع من سيطرته في برلمانات أوربا.
ففي إيطاليا، أكبر الدول الأوربية المستقبلة للاجئين، فاز “حزب الرابطة”، ثم تحالف مع “حركة 5 نجوم” اليمينية (انتزعت وحدها 33% من أصوات الناخبين) وكلاهما من المعادين للمهاجرين والأجانب، وشكّلا حكومة برئاسة ماتيو سالفيني. وفي السويد، فاز حزب “ديمقراطيو السويد”، الحزب القومي اليميني المعادي للأجانب، بأكثر من 17.6% من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية، وهو أكبر اختراق لهم في هذا البلد، الذي عُرف عنه، على مدى عقود طويلة، توجهه نحو يسار الوسط واليسار.
وفي ألمانيا، التي سارعت إلى تطبيق سياسة الباب المفتوح للاجئين، حقق اليمين المتطرف اختراقا كبيرا بدخولهم البرلمان الألماني لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ونتيجة تحد واضح لسياسة ميركل المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين.
أما في فرنسا فقد حققت ماري لوبين تقدما واضحا مع حزبها، وكادت تفوز في الانتخابات الرئاسية، غير أن إيمانويل ماكرون حقق الفوز في النهاية.
وحتى في دول أوربا الشرقية، صعد نجم اليمين، إذ يتولى الحكمَ في هنغاريا رئيس الوزراء الشعبوي واليميني المتطرف فيكتور أوربان. والحال كذلك في بولندا، التي يقودها الشعبوي ياروزلاف كاتشينسكي، وكذا ذاته في سلوفاكيا، حيث الشعبوي روبرت فيكو.
وتجاوز مدّ اليمين المتطرف حدود أوروبا. فقد صول ترامب، كما ذكرنا سابقا، إلى البيت الأبيض، بينما نجح اليميني المتطرف جايير بولسونارو في الفوز في الانتخابات الرئاسية في البرازيل.
بخصوص أسباب صعود اليمين المتطرف، فمنذ نهاية الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم في 2008، لم تتحسن الظروف الاقتصادية للشعوب كثيرا، ولم تتمكن الحكومات في العديد من دول أوروبا من تحقيق برامج ترفع معيشة المواطنين، الذين أصبحت غالبيتهم ترزح تحت ضغوط اقتصادية ومالية واجتماعية هائلة. وصارت الدول تركز على كيفية زيادة الاستثمارات الخارجية فيها، ما يعني سياسات اقتصادية لا تصبّ كثيرا في صالح الطبقات الفقرة والوسطى وتركز على الأثرياء، باعتبارهم الجهةَ التي ستضخّ الأموال في البلاد وتنعشها. وفي هذا الإطار، مثلا، يمكن تصنيف السياسات الاقتصادية التي تبنّاها الرئيس الفرنسي ماكرون.
كما استعرت “الحرب التجارية” الأمريكية مع العالم عموما، ومع الصين خصوصا.
ولا شك أن عدم قدرة الأحزاب التقليدية على معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها تلك الطبقات أسهم في زيادة “السخط الشعبي” والبحث عن بدائل يمكنها حل مشكلاتها، ما لعبت عليه الأحزاب اليمينية المتطرفة والحركات الشعبوية، التي غذت النزعات الفردية والقومية ورفضت سياسات اللجوء والهجرة وعمّقت كراهية الأجانب.
كما ساعد في ذلك أيضا تنامي الإرهاب، الذي ازداد عدد ضحاياه في أوربا، والذي يستغل أي اضطراب من أجل توجيه ضرباته ليس للأنظمة، وإنما لأفراد الشعب الضعفاء.
في خضمّ ذلك، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا مهما وحيويا في تنامي الشعبوية في العالم، إذ أصبح لها فعلها القوي في تحريك الشعوب، كما شهدنا في احتجاجات “السترات الصفراء” الفرنسية، التي ليس لها قيادة تنظمها وتوجهها.
حين ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي في عالم الإنترنت، كان هدفها الأساسي، كما يشير اسمها، هو “التواصل الاجتماعي”. وبالتالي فقد زاد الانفتاح على العالم، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة للشعبويين واليمين المتطرّف لكسب تأييد النظراء في الدول الأوربية الأخرى.
ربما لم يخطر ببال من أسهموا في إنشاء مواقع التواصل الاجتماعي بأنها ستكون الأداة الأساسية لانتشار ظواهر سياسية واجتماعية وإرهابية متطرفة، مثلما يحدث الآن في كل العالم…