le12.ma -وكالات

أظهر الاقتصاد العالمي، مؤخرا، تناقضا صارخا مع توقعات الخبراء والمحللين الاقتصاديين، مبرهنا على أنه لا يسير وفق أهوائهم ولا توقعاتهم واستنتاجاتهم.

فف الوقت الذي توقعَ المحللون أن يشهد الاقتصاد العالمي، في العامين، الجاري والمقبل، نموا هو الأفضل منذ 2010، خالفت المؤشّرات تماما الصورة التي رسمها هؤلاء الخبراء والمحللون.
وبينما لم تُظهر الولايات المتحدة مؤشرات على حدوث نمو كبير في قطاع الإنشاءات العقارية، وتعاني المصانع في ألمانيا من حالة من التعثر، سجلت مبيعات التجزئة في الصين أقلّ نسبة نمو خلال 15 عاما.

وقد انعكس التباطؤ الاقتصادي المفاجئ على أسواق المال العالمية، فهوت مؤشّرات أسواق المال الأمريكية إلى أدنى مستوياتها وسجلت مؤشرات الأسهم الأمريكية خسائر فاقت 20%، بينما خسرت بقوة في نهاية تعاملات أول أمس الاثنين؛ لتسجل بورصة “وول ستريت” أسوأ جلسة على الإطلاق في عيد الميلاد، وهي أسوأ خسارة منذ 1931.

وجاءت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الاحتياطي الفيدرالي، ورئيسه جيروم باول، واتهامه إياه بأنه وراء ضعف الأسواق من حالة الاقتصاد الأمريكي لتزيد الأوضاع تفاقما. كما أسهم التوتر السياسي على أعلى المستويات في الولايات المتحدة والاقتصادات الكبيرة الأخرى في زيادة “قلق” المستثمرين وإثارة مخاوفهم بصورة أكبر.

وتُنذر عوامل اقتصادية إضافية بإمكان تحويل ما اعتُبر تباطؤا عالميا تدريجيا إلى شيء أكثر خطورة.. فقد أصبحت البنوك المركزية، التي تأخرت عن دعم النمو بعد الأزمة المالية العالمية، أقل دعما. كما أسهمت سياسة ترامب “أمريكا أولا” في إثارة “عداء تجاري”، ما أدى إلى زعزعة ثقة رجال الأعمال والمستثمرين على أكثر من صعيد عبر العالم.

وفي هذا السياق، قال تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في “دويشه بنك”، إنه “في بداية العام الحالي كانت الفكرة الأساسية هي أن هناك تناغما في كل شيء، وصارت الأمور على ما يرام في كل مكان. أما الآن فلا شيء يمضي جيدا في أي مكان في العالم”.

قد تكون هذه مجرّد مبالغة بسيطة، غير أنه خارج الولايات المتحدة، التي يُتوقع أن يبلغ فيها النمو الاقتصادي في الربع المالي الرابع 2.7%، تبدو الصورة أكثر سوداوية. ويظنّ معظم الخبراء الاقتصاديين أن النمو الاقتصادي الأمريكي سيتباطأ في 2019.

قبل شهر، فشلت البيانات الاقتصادية في كل من الولايات المتحدة واليابان و”منطقة اليورو” في بلوغ توقعات المحللين الاقتصاديين، بحسب مؤشر الأسواق العالمية في مجموعة سيتي غروب. كما جاءت النتائج الاقتصادية الصينية مخيبة للآمال في منتصف دجنبر الجاري، وسط مؤشرات على أنه سيتباطأ بأكثر من التوقعات التي وضعها صانعو السياسة في الصين.

وبالنسبة لخبراء اقتصاديين مثل ميغان غرين، المسؤولة في “مانولايف ميوتشيوال فاندس”، فإن هذه المؤشرات كافية للتحذير من “تباطؤ عالمي متزامن”، في حين تتوقع قلة من المحللين حدوث كساد في الولايات المتحدة أو “تراجع حاد في النمو في الصين”.

لكن الأداء “الهزيل” الذي تعاني منه محركات الاقتصاد العالمي الرئيسية قد يتسبب في هز الأنظمة السياسية (المهزوزة أصلا) في العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، حيث سيحاول ترامب خوض غمار الانتخابات الرئاسية مجددا، وفق ما ذكر دافيد لينش، المحلل الاقتصادي في صحيفة “واشنطن بوست”.

ومن جانبه، قال جورج ماغنوس مؤلف كتاب “أعلام حمراء: لماذا تتعرض الصين للخطر” في رسالة بالبريد الإلكتروني إن “الخطر السياسي الناجم عن التباطؤ أو حتى الركود ف 2019 هو إثارة مستويات مقلقة بالفعل من النزعة القومية”.

في الولايات المتحدة، ورغم نحو عشرة أعوام من النمو الاقتصادي المتواصل، يظن 55% من الأمريكيين أن البلاد تسير على الطريق الخطأ، وفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة “ريال كلير بوليتيكس”.

وبدوره،، قال بيتر هاريل، الأستاذ في “مركز الأمن الأمريكي الجديد”: “إذا لم يستمر هذا الوضع، فإنك سترى استمرارا لحالة الاستقطاب السياسي المحلي.. من الواضح أن الاقتصاد المتباطئ يشكل قلقا كبيرا لإدارة ترامب”.. كما أن وجود تباطؤ اقتصادي، مترافق مع تعثر أسواق الأسهم، قد يجعل من ترامب أكثر إذعانا بخصوص التوصل إلى صفقة سريعة مع الصين لإنهاء الحرب التجارية بينهما.

ووضح المتحدث ذاته في هذا السياق أن أسواق الأسهم والاقتصاد المتباطئ في كل من نيويورك وبكين صارت أكثر “عصبية” بشأن الأسواق وكذلك بشأن التباطؤ الاقتصادي.

أما في ألمانيا، فإن تعثر إنتاج السيارات بعد بدء العمل تشريعات معدلة تتعلق بفحص الانبعاثات في فاتح شتنبر، وتراجع إجمالي الإنتاج الصناعي في الشهور السبعة الأخيرة منذ بداية العام الجاري، فتراجعت، على سبيل المثال، أرباح “بي إم دبليو” في الربع الثالث بحدود 24%.

وفي إيطاليا، تخوض الحكومة الشعبوية نزاعا حول الميزانية مع الاتحاد الأوربي، حتى مع دخول الاقتصاد الإيطالي في حالة كساد.

ودفعت مفاوضات “البريكست” المطولة بين بريطانيا والاتحاد الأوربي مصارف، مثل بنك جاي بي مورغان، إلى تحويل بعض الوظائف إلى دول تستخدم الأورو.

في المقابل، تحاول في السلطات الصينية فصل الاقتصاد عن الاعتماد على إجمالي الدين المتصاعد. وكان من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، لكن فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية على واردت من الصين بقيمة أكثر من 250 مليار دولار أدى إلى تفاقم الأزمة.

في نهاية المطاف، يبدو أن هدف إدارة ترامب المتمثل في النمو الاقتصادي السنوي للولايات المتحدة بنسبة 3% لعدة سنوات آخذ في التلاشي، إذ خفض مجلس الاحتياطي الاتحادي توقعاته لعام 2019 إلى معدل نمو سنوي يبلغ 2.3%، وهو أقل من المعدل المتوقع لهذا العام والمقدر بحوالي 3%.

كما تراجع الاحتياطي الفيدرالي عن خطط رفع أسعار الفائدة 3 مرات في العام المقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *