تقي الدين تاجي
وجّه الملك محمد السادس، مساء أمس السبت، خطابا إلى الأمة بمناسبة عيد العرش، الذي يصادف هاته السنة، الذكرى الثانية والعشرين لتولي جلالته الحكم.
خطاب وضع من خلاله، النقاط على الحروف المتناثرة والهاربة، من البلاغات العسكرية للنظام الجزائري.
وبعيدا عن لغة الإشارات والتلميحات، والتعبيرات حمّالة الأوجه، جاء الخطاء الملكي واضحا، مباشرا، ليربط “إستعادة العلاقات” مع الجارة الجزائر، برغبة المغرب “في توطيد الأمن والاستقرار، في محيطه الإفريقي والأورو-متوسطي، وخاصة في جواره المغاربي”.
فالبلد الذي إحتضن الحوار الليبي، وجمع الفرقاء الليبيين، من أجل وحدة المصير، نائيا بنفسه عن التدخل في شؤونهم، لا يمكن أن يقبل على نفسه، المساهمة في إشعال نار الفتنة والفرقة في بلد “مغاربي ” آخر هو الجزائر، وأن دعوة السفير “عمر هلال” إلى منح شعب القبايل حق تقرير مصيره، لم تكن سوى “سُقيا صغيرة” “للجنرالات” من نفس الكأس، التي ما فتئوا يسقون منها المغرب، لعلهم يتذوقون طعم مناوءاتهم لمصالح “المملكة المغربية” ووحدة أرضيها.
وهي أيضا قرصة أذن من أخ لأخيه، فحواها “أن أسهل شيء هو صب الزيت على النار، بينما الأصعب هو الدعوة الى الأخوة والسلام”.
ولعل المغرب أراد كذلك، من خلال “دعوة هلال” بعث رسالة الى الجزائر، مفادها أنه “بمقدورنا نحن أيضا الرد بالمثل على مناوءاتك، إن أردنا طبعا، لكن ليس هذا ما نريده أو نسعى إليه.”
وهنا يُذكّر الملك في السطور الأولى لخطابه أن ” المغرب دولة عريقة، وأمة موحدة، تضرب جذورها في أعماق التاريخ. والمغرب قوي بوحدته الوطنية، وإجماع مكوناته حول مقدساته.”
“وهو قوي بمؤسساته وطاقات وكفاءات أبنائه، وعملهم على تنميته وتقدمه، والدفاع عن وحدته واستقراره.”
“وأن هذا الرصيد البشري والحضاري المتجدد والمتواصل، هو الذي مكن بلادنا من رفع التحديات، وتجاوز الصعوبات، عبر تاريخها الطويل والحديث.”
ثم يعود الملك محمد السادس، بعد حديثه عن المسار التنموي للمملكة، ليقول “وإيمانا بهذا التوجه، فإننا نجدد الدعوة الصادقة لأشقائنا في الجزائر، للعمل سويا، دون شروط، من أجل بناء علاقات ثنائية، أساسها الثقة والحوار وحسن الجوار.”
“ذلك، لأن الوضع الحالي لهذه العلاقات لا يرضينا، وليس في مصلحة شعبينا، و غير مقبول من طرف العديد من الدول.”
“فقناعتي أن الحدود المفتوحة، هي الوضع الطبيعي بين بلدين جارين، وشعبين شقيقين.”
غير أن الأبرز في الخطاب هو وضعه حداً للتكهنات الجزائرية، من خلال رده على اتهاماتها الأخيرة للمغرب، بالتجسس عليها عبر برنامج بيغاسوس، موضحا بصريح العبارة ” وأنا أؤكد هنا لأشقائنا في الجزائر، بأن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن یأتیکم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسكم يمسنا، وما يصيبكم يضرنا.”
“لذلك، نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره.” (انتهى الكلام الملكي )
ولا شك أن هذه الكلمات، هي تأكيد من أعلى سلطة في البلاد، بأن المغرب ليس بلدا طارئا، حتى يتخذ من المؤامرات والدسائس نهجا له، بل هو دولة عريقة، أصيلة، وبمثابة الأخ الكبير، الذي يخاف على مصلحة أخيه ويرعاها.
وبخلاف الأسلوب الفج، الذي يصر عليه الرئيس الجزائري “عبدالمجيد تبون”، عند حديثه عن الملك محمد السادس، سواء في حواراته الصحفية، أو غيرها، المفتقد للياقة والكياسة، المفترضة في مخاطبة رؤساء الدول لبعضهم البعض، جاء الخطاب الملكي ليعطي “تبون” درسا في الأدب “والمعاملة بالحسنى”، من خلال إصرار الملك، على ذكر إسم عبد المجيد تبون” مقرونا بلقب “فخامة الرئيس”، قائلا : “أدعو فخامة الرئيس الجزائري، للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك.”
واليوم تكون المملكة المغربية، من خلال دعوة الملك محمد السادس الى نبذ الخلافات وتطبيع العلاقات، قد أقامت الحجة على النظام الجزائري، وأكدت مرة أخرى، أن يدها ممدودة، لكل المساعي الحميدة.
ولذلك على ساكن “المُرادية” أو ربما على الأصح – سُكان المُرادية – ألا يخلفوا موعدهم مع التاريخ، فقد لا تتكرر هاته الفرصة مرة أخرى، فيأتي يوم يعضون فيه على أصابعهم، لتفويتها. وإذاك سينطبق عليهم قوله تعالى : “ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله، وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات صدور”. صدق الله العظيم