*حسن البصري

 

كل الذين حضروا جنازة أبو بكر اجضاهيم الرئيس الأسبق للوداد الرياضي، تمنوا لو أن القدر أمهله ثلاثة أيام أخرى، ومدد عمره حتى ينعم باحتفال فريقه المحبوب بدرع الدوري الوطني، كان أبو بكر يحجز لنفسه مكانة في منصة التتويج قبل أن يحجز له أهله قبرا في مقبرة الشهداء، غير بعيد عن المكان الذي يرقد فيه رفيقا دربه عبد الرزاق مكوار ومحمد الزرقطوني.

منعنا من ولوج بوابة المقبرة، واقتصر تشييع جثمان اجضاهيم على ثلة من أقرب المقربين إليه، بسبب التدابير الاحترازية التي فرضها وباء كورونا، وتبين للحاضرين أن مراسيم الدفن ستتم وفق نظام “الوي كلو” الذي كان الراحل يمقته.

وقف ثلة من الرجاويين يرقبون المشهد عن بعد، كانوا يتباهون أمام نظرائهم الوداديين بالجنائز الأكثر استقطابا للحشود الجماهيرية، قالوا إن جنازة بيتشو هي الأكثر شعبية وقيل إن جنازة ظلمي فاقت جنائز كبار رجال الدولة، وبين هذا وذاك ظل سؤال مسدس الراحل اجضاهيم يقتحم النقاش بين الغريمين.

كثير من الرجاويون مدينون للراحل بفضل كبير، خاصة حين كان مسؤولا أمينا رفيعا، على أيديه تقضى حوائج اللاعبين، لذا كان أبو بكر محل تقدير من الوداديين والرجاويين والفتحيين والطاسويين وكل مكونات الكرة المغربية.

حين يموت المدرب ترسل إدارة الفريق حافلة النادي إلى المقبرة لنقل المشيعين، ويكتب المسؤول بلاغ تأبين يعدد مناقب الفقيد، وفي أحسن الأحوال يعطي تعليماته بتحمل نفقات الجنازة. يرحل المدرب إلى دار البقاء فيسأل زملاؤه عن آخر شواهده في التدريب، ويسأل حفار القبور عن الراعي الرسمي للجنازة، ويسأل هواة السير خلف الجثامين عن أفراد أسرته، ويسأل الصحافيون عن صديق للفقيد لازال يحمل في ذهنه أشلاء ذكريات صالحة للنشر.

وحين يموت الرئيس تظهر في محيط مقبرة الشهداء كائنات تذكر أمواتها بالشر، فقد وقف مسؤول ودادي قديم ألهاه التكاثر حتى زار المقابر، انتصب أمام ميكروفونات اللاهثين وراء الإثارة وقال إن الفقيد كان مفلسا وأن محسنين اقتنوا له سكنا و”ستروه” من عاديات الزمن.

يا إلاهي دلوني على فاعل خير يشتري شقة فاخرة مساحتها تزيد عن مائتي متر في قلب العاصمة الاقتصادية، الفقيد يا سادة باع فيلا شاسعة الأطراف في حي أنفا واقتنى شقة، كان يعيش في نعيم ويقتات من راتب تقاعد دسم ومداخيل حافلة نقل منحه الحسن الثاني مأذونيتها.

لا يعلم كثير من المتتبعين لشأن الوداد، أن الفقيد تربطه علاقة مصاهرة مع عبد السلام بناني، صاحب فكرة كأس العرش، ومؤسس الاتحاد البيضاوي، فشعبية الرجل الجارفة جعلت الحسن الثاني يؤخر دفن بناني فقط لأنه مات يوم عيد العرش حتى لا تختلط الفرحة بالنكبة.

بعيدا عن لغو الجنائز، فقد أجمع الحاضرون على ارتفاع منسوب “أدرينالين” الوداد في جسم الراحل، فقد ولد هو والوداد في عام واحد، وعاشا طفولتهما سويا إلى أن اشتد عودهما، ويتوفى وقد ناهز عمره خمسة وثمانين سنة.

عاش أبو بكر حياته الطويلة، فكان مناضلا، وزعيما ورئيسا مدى الحياة، ورجلا يتكئ على تاريخه ولا يفارقه سيجاره الكوبي.

مات في شقته بعد أن عاش أيامه الأخيرة كزعيم منفي في إقامة جبرية، ممدا على أريكته بلا صولجان، مجبرا على الصمت والنوم حتى لا يدان بتهمة التشويش. كان يتردد في سنواته الأخيرة على أكثر من مصحة، وعند خروجه منها يقول لأصدقائه، “لا تحزنوا لن أغادركم إلا بعد أن يجمع الوداد محصوله السنوي”.

دعاني يوما إلى شقته وطلب مني كتابة مذكراته، فقال لي:”سنعبر من السياسة إلى الكرة، سنقفز بين ضفتين متنازع حولهما”، وكلما طاوعه الحكي تحول إلى مصارع بعدما عادت إليه قواه دفعة واحدة وبحث عن مسدسه فلم يجده. نادرا ما تختلط في ذهنه الأرقام والتواريخ والأسماء، ومع ذلك لم يكن ينازعه شك في أنه “أبو الوداد”.

*كاتب صحفي رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *