داليا فاروق

يؤمن الفيلسوف اليوناني “أفلاطون” بما يُعرف بـ”الحب الأفلاطوني”، مؤكدًا أن “كل إنسان يصبح شاعرًا إذا لامس الحب قلبه”، أما تلميذه “أرسطو” فيرى أن “الحب جسدان وروح واحدة”، وما بين “المعلم الأول” والفيلسوف “التلميذ” لاحت مقولات مثل “الحب من أول نظرة” و”شرارة الحب الأولى”، وهي مقولات رغم عدم معرفة مصدرها، إلا أنها كانت الأوفر حظًّا بين صناع السينما الذين غالبًا ما يصورون الحب على أنه علاقة تنشأ بين غرباء.

فماذا يقول العلم عن نشأة الحب؟ تشير دراسة حديثة نشرتها دورية “سوشيال سايكولوجي آند بيرسوناليتي ساينس” (Social Psychological and Personality Science) إلى أن ثلثي العلاقات الرومانسية بدأت كعلاقة صداقة، وأن الأزواج الحقيقيين يمكن أن يبدأوا علاقتهم الرومانسية كأصدقاء، في إشارة إلى “سطوة الحب الأفلاطوني” ووهم “الحب من أول نظرة”.

يقول “دانو أنتوني ستنسون” -أستاذ علم النفس بجامعة فيكتوريا الكندية، والمؤلف الرئيسي للدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”: كثير من الأشخاص لديهم ثقة كبيرة بأنهم يعرفون لماذا يختار الناس شركاء حياتهم وكيف يصبحون زوجين ومتى يقعون في الحب، قد يكون لدينا فهمٌ جيد لكيفية انجذاب الغرباء بعضهم إلى بعض وبدء المواعدة، ولكن هذه ليست الطريقة التي تبدأ بها معظم العلاقات.

والدراسة الحالية عبارة عن أربع دراسات، ركزت الدراستان الأولى والثانية على مدى تفضيل الناس للتعارف القائم على الصداقة، أما الدراسة الثالثة فقد ركزت على قياس مدى انتشار علاقة الصداقة باعتبارها مدخلًا للعلاقة الرومانسية من خلال تحليل تلوي استهدف سبع دراسات.

يقول “ستنسون”: في الدراسة الرابعة نتعمق أكثر من خلال استكشاف المدة التي ظل فيها طلاب الجامعة أصدقاء قبل الزواج وما إذا كانوا قد دخلوا تلك الصداقات لتسهيل إقامة رومانسية في نهاية المطاف أم لا، كما أبلغ المشاركون أيضًا عن أفضل طريقة لمقابلة شريك رومانسي أو مواعدته، مما يسمح لنا بتقييم مدى تفضيلهم لبدء العلاقة الرومانسية من خلال إقامة علاقة صداقة أولًا.

قام الباحثون بتحليل بيانات 1897 من طلاب الجامعات والبالغين، ذكر 68% منهم أن علاقتهم الرومانسية الحالية أو الأخيرة بدأت كصداقة، وأن معدل العلاقات الرومانسية بين الأصدقاء يرتفع بين طلاب الجامعات؛ إذ بدأت 85% من الزيجات كعلاقة صداقة، وأن علاقة الصداقة امتدت لمدة تراوحت بين عام وعامين قبل أن تتحول إلى علاقة رومانسية.

يضيف “ستنسون”: لاحظنا أن الغالبية العظمى من هؤلاء المشاركين ذكروا أنهم لم يدخلوا صداقاتهم بنوايا رومانسية، ويمكننا القول إن امتداد فترة الصداقة قبل تحوُّلها إلى علاقة رومانسية تعني أنه من المحتمل أن الأزواج كانوا أصدقاء حقيقيين يؤمنون بالحب الأفلاطوني قبل الانتقال إلى العلاقة الرومانسية.

ويتابع: بالنظر إلى انتشار العلاقات الرومانسية التي تبدأ بشكل أفلاطوني، نأمل أن يكون هناك مزيد من الدراسات التي تبحث في هذا النوع من بدء العلاقة، ونأمل أيضًا أن يدفع هذا البحث الناس إلى إعادة النظر في مفاهيمهم المسبقة عن الحب والصداقة، إننا غالبًا ما نتعلم أن الرومانسية والصداقة هما نوعان مختلفان من العلاقات التي تتشكل بطرق مختلفة وتلبي احتياجات مختلفة، فعلى سبيل المثال، عند فحص عينة من الدراسات السابقة حول كيفية بدء العلاقات، وجدنا أن 75% تقريبًا من تلك الدراسات تركز على شرارة الرومانسية بين الغرباء، بينما تركز 8% فقط من الدراسات على الرومانسية التي تتطور بين الأصدقاء.

ومن المثير للاهتمام أن 47.4% من الطلاب ذكروا أن بدء العلاقة كأصدقاء كانت طريقتهم المفضلة للوصول إلى علاقة رومانسية، وأن علاقة الصداقة كانت الأكثر شيوعًا، مقارنةً بخيارات أخرى مثل الحفلات أو النقاشات عبر الإنترنت.

يقول “ستنسون”: يشير بحثنا إلى أن الخطوط الفاصلة بين الصداقة والرومانسية ضبابية، وأعتقد أن ذلك يجبرنا على إعادة التفكير في افتراضاتنا بشأن ما يجعل الصداقة جيدة، وأيضًا بشأن ما يجعل العلاقة الرومانسية جيدة.

المصدر : scientific american

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *