le12.ma

يعاني المشتكون من ضعف الخصوبة مشكلة حقيقية، لا يدرك مداها سوى من ضاقت به الأرض بما رحبت، معتقدا أن مسألة الإنجاب تبقى صعبة المنال، بالرغم من كون هذا الحلم لم يعد مستحيلا في ظل التقدم الذي تحققه المساعدات الطبية يوما بعد يوم.

في خضم هذه الحيرة، لا يثني هذه الشريحة من المجتمع عن تحقيق حلمها أي شيء، حيث تطرق مختلف الأبواب، وتسلك كافة المسالك، كيفما كانت طبيعتها وكلفتها، طمعا في نيل حظها من الأبناء، زينة الحياة الدنيا.

فبالرغم من اختلاف الأوضاع والمستويات الاجتماعية والمادية والثقافية لداخلي قفص الزوجية، يبقى القاسم المشترك والهم الرئيسي لديهم هو العمل على تأثيث بيت الزوجية بمولود جديد، كفيل بإضفاء معالم الأنس والبهجة والدفء العائلي على أركان البيت، أملا في توطيد العلاقة وتأمين الاستقرار الاجتماعي والنفسي.

هذا ما أكدته شهادات حية لعدد ممن التأموا في كنف « الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة « مابا »، داعين إلى ضرورة تكثيف الجهود لإيلاء مزيد من الاهتمام لوضعهم الصحي، عبر توفير إمكانيات المساعدة الطبية على الإنجاب، التي قطعت أشواطا كبيرة بالقطاع الخاص، غير أن كلفتها- في نظرهم- ليست في متناول الجميع.

وفي حديث عن تجربتها الخاصة، أكدت السيدة منال من الدار البيضاء (33 سنة) أنها خضعت للمساعدة الطبية على الإنجاب لفترت دامت 7 سنوات، كللت أخيرا بالنجاح، مشيرة إلى أن هذه التجربة لم تكن سهلة كما يعتقد البعض، بل كانت قاسية جدا جراء الضغط الكبير الذي كانت تتعرض له من طرف العائلة والمحيط، فضلا عن الضغط الداخلي الذي عاشته بمعية زوجها نظرا للغموض الذي يكتنف مسار العلاج، بعدما كان الفشل نصيبها لعدة مرات، ناهيك عن العبء المادي في غياب تام للتغطية الصحية.

وعلى إثر ذلك، وجهت الدعوة إلى كافة الجهات المعنية من أجل التدخل العاجل، معتبرة أن الحصول على طفل ليس امتيازا، بل حاجة فطرية لا يدرك معناها سوى الفاقدين للحق في الأبوة أو الأمومة، مستحسنة إجراء التكفل بالتعويض عن الأدوية الذي يبقى في نظرها غير كاف، ويفترض أن تواكبه تغطية كافة مراحل العلاج.

ومن جهتها، أشارت أم فاطمة الزهراء من فاس أنها عانت من مشكل العقم لمدة 17 سنة، والآن فرحتها تنسيها كلمات التعبير عن الأحاسيس الجياشة التي تنتابها بعد إنجابها لمولودة أنثى، معربة عن امتنانها للأطباء الذين كانوا وراء هذا المجهود الجبار بدعم من الجمعية، داعية إلى مواصلة هذه المجهودات خاصة مع الشرائح المنحدرة من أسر معوزة.

ومن جانبه، أكد أحد شبان مدينة أكادير (33 سنة)، الذي يكبر عن زوجته بسبع سنوات ويندب حظه في الإنجاب عقب 8 سنوات من الزواج ، أنه عندما اكتشف إصابته بضعف الخصوبة خضع لعمليات التلقيح (التخصيب) بما فيها المجهري دون جدوى، وذلك بالرغم من الكلفة الباهظة التي اضطرته للاقتراض، ناهيك عن الإحساس بالإحباط والأزمة النفسية الناجمة عن أسئلة المحيطين به التي تتعقبه في كل مكان وحين.

ومن الراشيدية، يحكي طارق (47 سنة) عن معاناته التي لا تقل عن سابقيه، بسبب كثرة المحاولات الفاشلة، قائلا إنه عقب ما يزيد عن 8 سنوات من الزواج للمرة الثانية بعد انفصاله عن الزوجة الأولى لصعوبة الإنجاب، أوصاه الأطباء بالحقن المجهري أو أطفال الأنابيب، ما اضطره إلى اللجوء إلى مدينة الدار البيضاء، مشيرا إلى أن ذلك كلفه ما بين 10 إلى 12 مليون سنتيم إلى جانب مصاريف الإيواء، الشيء الذي دفع به إلى بيع سيارته وأثاث منزله، والاقتراض من البنك والأقارب، لتحقيق رغبته التي تبقى في نظره حلما مشروعا.

وقال إن وضعه الحالي ساهم في معاناة نفسية كبيرة لزوجته جراء التقاليد والأعراف التي تسود مجتمعه الذي لا يرحم من كان في مثل وضعه، حيث استفحل الأمر لينتهي بتفكك الأسرة.

في خضم هذا المخاض الذي يتخبط فيه هؤلاء وغيرهم ممن استندوا للغة الصمت والكتمان، ترى عزيزة غلام رئيسة الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة « مابا » أن هناك الكثير من مؤشرات الأمل في المستقبل بخصوص التكفل الطبي بضعف الخصوبة في المغرب، منها سهر وزارة الصحة على صدور قانون المساعدة الطبية على الإنجاب رقم 14-47، وعملها الى جانب الوكالة الوطنية للتأمين الصحي على صدور لائحة الأدوية الخاصة بعلاج ضعف الخصوبة ضمن باقي الأدوية المعوض عنها، فضلا عن انكبابها، حاليا، على إعداد النصوص التنظيمية لتنفيذ مقتضيات قانون المساعدة الطبية للإنجاب، أملا في أن يرى النور في أقرب الآجال.

وأشارت إلى أن مثل هذه الخطوات الجريئة تستحق كل التنويه والإشادة، على أمل أن تواصل مسارها لتشمل كافة مناحي العلاج والتطبيب المتعلقة بضعف الخصوبة، مشددة على أهمية الالتزام الجاد والدعم الكامل من لدن كافة الفاعلين كل من موقعه لمواكبة هذه المجهودات الجبارة من أجل الوصول إلى تغطية صحية شاملة لمختلف العلاجات المتعلقة بضعف الخصوبة.

وأبرزت في ندوة وطنية لضعف الخصوبة في المغرب أنه بالرغم من المجهودات المبذولة، أخذا بعين اعتبار التأثيرات الكبيرة لتأخر الإنجاب على الاستقرار الاجتماعي والنفسي بالبيت المغربي، فالكلفة تبقى جد ثقيلة على الزوجين إذ تتراوح ما بين 30 ألف و40 ألف درهم.

ومن جانبه أشاد مولاي سعيد عفيف رئيس الجمعية المغربية لعلوم الطبية بمبادرات “الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة” التي تتماشى مع الأهداف الملكية السامية، والتي تأتي في إطار الورش الكبير للحماية الاجتماعية الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس تكريسا لما جاء في البند 31 من دستور 2011 الضامن للحق في الصحة للجميع، بما في ذلك الطموح في الحصول على الأطفال زينة الحياة الدنيا.

وأكد، في الندوة ذاتها، على ضرورة العمل في إطار تشاركي واستثمار هذه البادرة، فالوزارة الوصية والمشرع أعطى الحق لهذه الشريحة لاسترجاع مصاريف الأدوية التي تبقى جد باهظة، مشددا على دعمه وتشجيعه لمثل هذه المبادرات.

وتجدر الإشارة إلى أن الخطة الوطنية للمساعدة الطبية على الإنجاب (2020-2030)، التي تم وضعها بمشاركة المهنيين الصحيين المتخصصين والمعترف بخبراتهم في تقديم هذه الخدمات، تتمحور حول 5 مجالات عمل ذات أولوية تهم أساسا صياغة النصوص التنظيمية المتعلقة بالمساعدة الطبية على الإنجاب، وتحسين إمكانية ولوج الأزواج الذين يعانون من ضعف الإنجاب لخدمات المساعدة الطبية على الإنجاب، مع العمل على تعزيز جودة خدمات هذه الأخيرة، وتطوير الشراكة في مجالها.

ومن جانب آخر، فقد تم إدراج مجموعة من الأدوية متعلقة بعلاج ضعف الإنجاب لدى الأزواج ضمن قائمة المستفيدين من التغطية بالتأمين الصحي الإجباري، وكذا صياغة ونشر دورية خاصة باستئناف أنشطة المساعدة الطبية على الإنجاب في سياق جائحة كوفيد 19.

وفي ظل هذه الدينامية، تعمل وزارة الصحة على مواصلة مجهوداتها خلال السنة الراهنة من أجل توسيع إنشاء مراكز المساعدات الطبية على الإنجاب على مستوى المستشفيات الجامعية، وتعزيز التغطية بواسطة التأمين الإجباري للخدمات الطبية المختلفة لعلاج ضعف الإنجاب لدى الأزواج بما في ذلك المساعدة الطبية على الإنجاب، وكذا مواصلة صياغة النصوص التنفيذية المتعلقة بالقانون 47-14 السالف الذكر.

إعداد.. رشيد العمري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *