كازا- عبد الكريم شاعق

 

 

 

يمثّل حيّ “أناسي”، شمال مقاطعة سيدي مومن، التابعة إداريا لعمالة مقاطعات البرنوصي، “إقامة المتناقضات” بامتياز..

تكوّنَ الحي في أواسط التسعينيات، على أنقاض الحي الصفيحي “دوار السّكويلة” والأراضي الفلاحية لـ”أهل الغلام”. وسكان هذا الحي هم خليط من ساكنة المْدينة القديمة، الذين استفادوا ضمن مشروع تهيئة المحج الملكي، المؤدي إلى مسجد الحسن الثاني، والمرحَّلين من الحي الصفيحي “دوار السكويلة” في إطار برنامج “مدن بدون صفيح” في عمالة مقاطعات البرنوصي، كما يتشكل من السكان الذين انخرطوا في اقتناء الشقق الاقتصادية ضمن برنامج “200 ألف سكن”، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.

شقق و أوكار

خليط من الطبقات الاجتماعية الكادحة، الملزمة بأداء أقساط شهرية لدى للأبناك الدائنة، ما جعل أفراد بعض الأسر تلجأ إلى بمهن حرة، البيع بالتجوال “الفرّاشات”، أو كراء نصف الشقة لفائدة عاملات النسيج في الحي الصناعي التشارك أو البرنوصي، فيما لجأت بعض النساء إلى تحويل هذه الشقق إلى معامل صغيرة للخياطة أو روض الأطفال..

مقابل ذلك، كان لبعض النساء لهن رأي آخر، إذ لجأن إلى استعمال شققهن أماكن لـ”سرقة” بعض اللحظات الحميمية بين العشاق، بعيدا عن أعين الفضوليين، أو استقبال “طالبات” الأحياء الجامعية، اللواتي يبعن أجسادهنّ من أجل متابعة دراساتهن…

بداية المغامرة

الساعة الآن الثانية والنصف بعد الظهر. نعبر خط الترامواي سيدي مومن، النهاية. لتنطلق رحلة صحفي « le12 » التنكرية نحو حدائق الجنس الخفية…”اناسي” الوجه الداعر  لكازا …

داخل إحدى شقق السكن الاقتصادي، تستقبلنا “غزلان ت.” (اسم مستعار) بابتسامة عريضة، لا تخلو من مكر “القوّادات”:

“مْرحبا، أتاي، قهوة، مونادا؟ خودو راحتكم، وما كاين لاش تّخلعو، الوقت مأمّنة”.

غزلان شابة في أواسط الثلاثينات، بيضاء البشرة، طويلة القامة، أمّ لطلفين..

نظرة أولى في الشقة تظهر أن صاحبتها ذات ذوق رفيع في الأثاث والديكور، الذي اختارته بعناية. يبدو أيضا أن هذه الشقة تمت إعادة “هيكلتها” لتكون جاهزة لخدمات من نوع خاص…

أصبحت الشقة، وفق تصميمها الجديد، تحتوي على ثلاث غرف نوم، كل منها متصلة بحمّام، إضافة إلى مسلتزمات الاستحمام، من الماركات العالمية. أمّا الإنارة فخليط من المصابيح ذات الإضاءة الخافتة، المتناسقة مع طبيعة السهرات التي تقام فيها كل لحظة وحين.

من غرفة الانتظار، تصلك قهقهات “علب الجنس”، فئة من الطالبات وفئة عاملات النسيج و”الكابلاج” في الحي الصناعي البرنوصي -التشارك.

لكل فئة زبناء قارّون وآخرون موسميون، ولكل زبون توقيت خاص ولباس خاص روائح وأكسسوارات ومعاملة خاصة، ولكل ثمنه…

خليجي “VIP”

بعد برهة، زبون من فئة “VIP” خليجي، يُستقبل بالتمر والحليب والعود.. على نغمات الموسيقى الخليجية، تتراقص الفتيات (الـ”كلاس A”) بلباس خفيف جدا وشفاف، يظهر مفاتن الأجساد والأماكن الحساسة فيها.

تظهر القوّادة وتوجّه كلامها للزبناء “الكلاسيكيين” وفتيات الدرجة الثانية: “اللّي عْندو شي غرض يمشي يْقضيه.. من بعد ونتّاصل بيكم، هذا راه حاجزْ الپّرطمة السيمانة كاملة!”..

ننصرف في هدوء، وأمارات الشماتة بادية على وجوه الجميع، زبناء وعاملات الجنس “كلاس B”، قبل أن تفاجئنا “صوفيا” التي أرسلتها إلينا “القوّادة”: “لا تأبهوا، سأرافقكم إلى أحد المقرات القريبة من هنا، لتقضوا حاجتكم”.

“صوفيا” سفيرة النوايا الحسنة، طالبة جامعية تتأهب للحصول على الإجازة (في القانون). ذكاء خارق ومهارة في الإقناع والتواصل. شعرها أسود داكن وعيناها عسليتان وبشرتها بيضاء بياض الحليب..  لا تترك لك فرصة للمقاومة أو “لعن الشيطان”.

في الزقاق الخلفي للعمارة المجاورة، تفتح “صوفيا” الشقة التي توجد في الطابق الأرضي. يبدو أنها “ملحقة” بالمقر الرئيسي.. الأثاث والديكور لا يختلفان في شيء عما هو في “المركز”.

حسب ما أسرّت لنا به صوفيا، فإن هذا “القبو” مخصص لعلية القوم: سياسيين وجمعويين وغيرهم، وهو محاط بسرية تامة. يقضي فيه هؤلاء لحظات استرخاء وهدوء، في جو حميمي غير متوفر حتى في أرقى الفنادق المصنفة”.

ممنوع التفاوض

تتراوح أسعار هذه “العلب الجنسية” بين 150 درهما و200 درهم للساعة الواحدة. أما سعر المبيت فهو ثابت في مبلغ 500 درهم وغير قابل للتفاوض، بدون ثمن المرافقة، التي يتجاوز سعر معاشرتها حسب السن ومعايير الجمال والفئة “كلاس A” أو “VIP”، والمدة التي سيقضيها الزبون مع “صانعة المتعة”.

كما هو الشأن في باقي القطاعات المدرّة للدخل، هناك “تخفيضات” في المواسم التي تعرف إقبالا ضعيفا، كالمناسبات الدينية، وخصوصا عيد الأضحى وشهر رمضان، الذي تستفيد فيه عاملات هذا القطاع من “العطلة” السنوية. وتصل التخفيضات في هذه المناسبات إلى -35%، لكن دون جدوى، حسب ما أسرّت به غزلان، في وقت سابق.

فصل الصيف هو “موسم الذروة”، زبائن أكثر، عاهرات من مختلف الألوان والأشكال والأعمار والأحجام لتلبية احتياجات سوق متقلب، وزبون في كل مرة يرفع سقف مطالبه الغير متناهية، وغالبية زبائن “haute saison” في عطلة سنوية، بعد موسم من الكد والجهد البدني والذهني، ليس لديهم مانع في إنفاق مزيد من المال للترفيه والمتعة.

حمودة سائق حافلة، نمودج حي، شاب في مقتبل العمر، يعدّ من الأوفياء والمداومين على زيارة “غزلان”. غالبا ما يأتي إلى هنا مرتين خلال الشهر الواحد، أول ومنتصف كل شهر. يقضي ساعات طوالا بين أحضان السمراء والبيضاء، السمينة والنحيفة، الخياطة والطالبة.

في أول الشهر يقضي ليلة من اليالي الملاح، حاملا معه قنينة “الويسكي” الفاخر وكل ما يحتاج، من أكل وشرب. وسط الشهر يمرّ مرور الكرام، يقضي حاجته ويذهب إلى حال سبيله.

الحمودة..الفيكتيم 

يروي لنا حمودة أول يوم ولج فيه هذا “الوكر”: “تعرّفتْ على واحد تروتواريستْ واحد النهار في الحي الصناعي البرنوصي.. تفاهمنا على الثمن، بقى لينا اللّوكالْ، وهي اللي دّاتني عند غزلان، من تمّا بقات علاقتي مع “القُوّادة” في إطار الاحترام المتبادل، وتطورت العلاقة، ودزت مع غزلان واخّا مْزوّجة، لكن داك الشي داز برغبة منها”.

يصمت لحظة، وتعبر أمارات الندم صفحة وجهه، تم يضيف “الله يْسمح لينا ويعفو عْلينا”.

“وهكذا مرت حسناء، سمية، جملية، صوفيا، وكوثر… تّا راه جيش ديال التيتيز والمّيمات، خنشة ديال لفلوس اللي خسرنا في هادْ الحفرة”.

 نهاية “باطرونا”

فاطمة مناضلة سابقة، عمرها تجاوز الأربعين. جسدها المترهل لم يعد يستهوي زبائن هذا الجيل. بعد وصولها إلى هذا الحال، تمت ترقيتها، بعد سفر صاحبة الوكر إلى الإمارات من أجل اصطياد بعض الخليجيين القادمين إلى “كازابيگرا” لقضاء الليالي الملاح، في حين تقوم فاطمة بمهمة الاستقبال وتوفير ظروف الراحة.

من “مهام” فاطمة توفير مومسات في حالة صحية جيدة، فتيات سبق لها التأكد من خلوهن من بعض الأمراض التناسلية، كالسفلس والزهري.

أمّا فضّ النزاعات، التي تنشأ بين زبون وآخر حول فتاة، أو فتاة وفتاة حول زبون، فمن المهمات التي تحاول فاطمة تفاديها ما أمكنها ذلك.

البيع بالتقسيط مهنة ما بعد سنوات طويلة من الممارسة، “خويا حنا كنترزّقو عْ الله. لكليان كيقدّرونا ملي كنا ما كنتحاسبوش، اللي عندو يْقضي واللي ما عْندوشّ يقضي حتى يكون عندو.. وهادْ الطويبلة فيها كلينيكس، گويرّوات، وبريزرفاتيف ديطاي”…

كانت تلك آخرَ ما سمعنا من كلمات في هذا العالم على لسان هذه “الباطرونا”، التي صارتْ “في آخرْ يّامْها”، تبيع البريزيرفاتيفْ ديتايْ، هي التي تخلّت عنها أقدم “مهنة” في التاريخ في منعرج العمر الأخير نحو النهاية… 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *