ومع -le12.ma
يمارس شغفه بالكاميرا وآلة التصوير كطقس يومي، لا تفارقه هذه الآلات، التي تربطه بها علاقة عشق. عدسته شاهدة، منذ ما يزيد عن أربعة عقود، سواء مع عمالة كلميم أم مع القناة الأولى أم مع قناة العيون الجهوية، على أحداث وفعاليات وشخوص مرت، ذات يوم من هنا.. في كلميم.
ولدت قصة العشق الأولى مع آلة التصوير التقليدية، التي جرته في ما بعد، وبمرور السنين ومع التطور التقني، إلى عوالم أخرى وتقنيات جديدة، بعوالمها الجذابة وأسرارها. إلا أن حب فاضل عبيدا يظل للحبيب الأول.. آلة التصوير، هي المبتدى والمنتهى، هي رفيقته وعينه التي يسجّل بها ويروي بها بلا كلمات.
امتهن عبيدا (في منتصف عقده السادس) وهو ابن قرية “فاصك” في ضواحي كلميم، التصوير الفوتوغرافي والصحافي منذ ريعان شبابه. ويتذكر اليوم، بكثير من “النوستالجيا”، بداياته الأولى مع التصوير الفيلمي وكاسيت الفيديو.
يحكي “عْبيدا”، في دردشة مع وكالة المغرب العربي للأنباء عن البدايات، وكيف سكنه عشق التصوير بعد عودته من المسيرة الخضراء سنة 1975 وهو شاب يافع، ساعيا الى تعلم أبجديات هذه “المهنة”، التي فك معه أسرارها مراسل للتلفزة الوطنية في الجنوب، آنذاك، انطلاقا من مدينة طانطان.
وتشاء الصدف، أو ربما القدر، أن يفتح عبيد محلا خاصا به في مدينة كلميم تحت اسم “أستوديو الجنوب للتصوير”، ليخطو أولى خطواته في هذا المجال، وهو الذي انتزع اعتراف كل زملائه في الجهة، بل وحتى على الصعيد الوطني، بتكريمه في لقاءات عدة، آخرها التكريم الذي حظي به من قبَل النقابة الوطنية للصحافة المغربية بمناسبة اليوم الوطني للإعلام في نونبر الماضي في الرباط.
ويلج الحاج “عْبيدا”، كما يعرف في الجهة، عوالم أخرى وفضاءات لم يكن يتوقع يوما أن يلجها، وبالصدفة أيضا، ليمهر اسمه على أول حدث مهمّ كمصور شاب، حينذاك ويوثقه، وهو حفل تنصيب أول عامل على إقليم كلميم سنة 1979.
ويواصل: “كنا نصور نهارا ونشتغل ليلا على تحميض الأفلام، بغرض إتاحة الصور للزبناء صباحا”، يقول عبيدا، الذي يعود من جديد للحديث عن عقد الثمانينيات وعمله في “أستوديو الجنوب” وكيف كان يتنقل، مرة كل أسبوع، إلى مدينة أكادير لتحميض الأفلام واستخراج الصور.
كان هذا المصور يَقوم، آنذاك، برحلاته مكوكية أثناء اشتغاله مع التلفزيون الوطني لتوصيل “كاسيت” الفيديو إلى مقر القناة الأولى في الرباط عبر الحافلة. كما صار يستعين، في وقت لاحق، بشبكة الإرسال الخاصة بالإذاعة الوطنية بمدينة أكادير لإرسال مواد الفيديو التي يصورها لنشرات الأخبار إلى الرباط.
وتوقّف عند بعض الإكراهات التي كانت تواجهه، ومنها التقلبات المناخية وفترة الثلوج، التي كانت تصعُب فيها مهمة الإرسال.
في 1986 سيعمل “عبيدا” موظفا مكلفا بالتصوير وتوثيق أنشطة وفعاليات عمالة إقليم كلميم. وبعد ذلك بخمس سنوات، سيشتغل مصورا صحافيا في القناة الأولى خاصا بالأخبار الجهوية، لينضمّ لاحقا إلى قناة العيون الجهوية مصورا صحافيا، بعد انطلاقها في 2004 حتى إحالته على التقاعد.
ولم يفت “الحاج عبيدا” أن يذكّر ببعض من التكوينات التي أغنت تجربته الذاتية في مجال التصوير، منها التكوين على استعمال الكاميرا التلفزيونية وتصوير برامج الأخبار سنة 1989 في الرباط. وتدريب مماثل في تصوير ربورتاجات الأخبار في 2004 لفائدة قناة العيون الجهوية.
ويسترسل شريط الذكريات مع الحاج عبيدا، ليحكي عن الحدث الأبرز الذي صوّره ووثقه سنة 1985، والمتمثل في زيارة المغفور له الملك الحسن الثاني لمدينة كلميم، ليحكي بكثير من الفخر مشاركته ضمن فريق التغطية الصحافية لهذه الزيارة الملكية لهذه الربوع.
وستتاح له الفرصة ذاتها سنة 1991، أثناء زيارة المفغفور له الحسن الثاني لإقليم أسا الزاك، بمناسبة إحداث عمالة الإقليم، مؤكدا أن خزانته تحتفظ بعشرات الصور التي توثق الزيارات الملكية لـ”بوابة الصحراء”.
ووثق عبيدا، بفضل حسه الصحافي المبكر وشغفه بالمهنة، الفيضانات الكبيرة التي تضرّر منها إقليم كلميم في 1985.
كما برز اسم الحاج عبيدا خلال تغطية الحدث المأساوي لتحطّم طائرة عسكرية في كلميم سنة 2011، وبُثث المواد والصور التي التقطها في وسائل إعلام دولية بعد بثها في القنوات الوطنية.
ويأخد الحديث مجرى آخر مع عبيدا، بالحديث عن التقاعد، ليقول إنه ليس نهاية مشوار مهني، بل هو تجديد لشغف مستمر وفصل آخر من فصول عشق الكاميرا وصناعة الصورة الصحافية.
وبالفعل، يتأكد هذا بحضور فاضل عبيدا، يوميا، في مختلف الفعاليات السياسية والثقافية والرياضية والجمعوية في جهة كلميم واد نون. وقال في هذا السياق إن “الصورة بالنسبة إلي ليست مجرد كبسة زر، بل هي قصة تُروى للناس، يجب التعامل معها بكثير من الحرفية والإتقان والصدق والمسؤولية”.
وفي هذا الإطار، ينصح عبيدا الجيل الجديد الشغوف بالصورة بـ”التفرغ أولا للقراءة والتعلم والتخصص في هذا المجال، على اعتبار أنه علم يُدرَّس ومهنة لها قواعدها وضوابطها، ولا مجال للتطفل عليها بدون التسلح بالعلم والخبرة”.
فاضل عبيدة… اسم منقوش بـ”لغة” العدسة في سجلّ حافل من الأحداث في جهة كلميم -واد نون، وحافظٌ لأرشيف بصري وفوتوغرافي ضخم يستعدّ الرجل مستقبلا لتوثيقه في كتاب ينقل فيه زبدة تجربته المهنية إلى الأجيال القادمة.