توفيق الناصري

ما إن تطأ قدمك جماعة أولاد امبارك بضواحي مدينة بني ملال، حتى تهب عليك نسائم الورود. مشاتل على مد البصر، ومشاهد تحبس الأنفاس. ألوان الزهور تشد انتباه الزوار وتأخذهم في رحلة إلى عالم الرومنسية والهيام. فهذه المنطقة تستحوذ على معظم الإنتاج الوطني من ورود الزينة بفضل أرضها الفلاحية الخصبة.

هذه المنطقة عرفت تحولا من الزراعات الأساسية مثل الحمضيات وبعض أنواع الخضر إلى زراعة الورود، التي لم تكن منتشرة إلى الأمس القريب بالمنطقة. والفضل في ذلك يعود إلى أبناء المنطقة الغيورين، الذين سارعوا إلى إيجاد منفذ جديد، يزرع الأمل في نفوس شباب المنطقة، عن طريق الاهتمام بزراعة نادرة تجلب لمدينتهم استثمارات تحرك العجلة الاقتصادية.

من الغرس إلى التصدير

مصطفى، في الأربعينيات من عمره، أحد أبناء بني ملال التي تبعد نحو 200 كيلومتر عن الدار البيضاء، ومالك إحدى مقاولات إنتاج الورود، يقول إنه اهتم بزراعة الورود منذ كان صغيرا. وترعرع في أسرة تحب هذا المجال.

ويكشف مصطفى، في حديث لسكاي نيوز عربية: “لقد كان أحد المعمرين الأجانب من قام بزراعة الورود هنا لأول مرة. وهو من عرّف أبناء المنطقة على هذه الزراعة التي لم تخطر على بالهم من قبل. وبعد رحيله، سار عدد من فلاحي المنطقة على منواله، وواصلوا العمل. وعندما كنا صغارا، كان متنفسنا الوحيد بعد العودة من المدرسة، هو القدوم إلى الحقل لمساعدة آبائنا.”

تنتج منطقة أولاد امبارك حوالي 80% من إجمالي الإنتاج الوطني، وهو ما يعادل 25 مليون وردة في الموسم الفلاحي الواحد. ويرجع ذلك لخبرة قديمة وتقنيات بسيطة ورثها المزارعون عن آبائهم، وقاموا بتطويرها لزيادة الإنتاج، في ظل الإقبال المتزايد عليها.

ويقول مصطفى في هذا السياق: “لقد كان آباؤنا يشتغلون بتقنيات بسيطة، بل يمكن وصفها بالعشوائية. عندما أخذت المشعل، شرعت في تطوير هذه الزراعة عن طريق إدخال تحسينات على طريقة العمل، كما قمت بملاءمة تقنيات الاشتغال مع المعايير الدولية. وهذا ما مكنني من تأسيس شركة للتصدير. فأصبحت أبيع منتجاتي من الورود إلى شركات أجنبية، بالإضافة إلى تلبية الطلب الداخلي”.

وحسب أبناء المنطقة فإن حوالي ثلاثة أرباع الإنتاج من الورود يتم تصديرها إلى الخارج. فيما يتم بيع الربع المتبقي بالأسواق الداخلية.

الورود لمكافحة البطالة      

تشير الأرقام إلى أن زراعة الورود في المغرب تجلب فوائد اقتصادية جمة للمغرب لاسيما لبني ملال وقلعة مكونة المعروفة أيضا بصناعة الورد الذي تستخلص منه الزيوت الأساسية، حيث زاد الإنتاج والأسعار المدفوعة للمنتجين في السنوات الأخيرة. وتساهم المشاتل في خلق فرص شغل لشريحة عريضة من النساء اللواتي يعملن في الحقول، ومعظمهن يُعِلن أسرا من عدة أفراد.

فإذا كانت الورود رمزا للجمال ووسيلة للتهادي والزينة، ولغة لزرع الألفة بين القلوب وجبر الخواطر، فإنها هنا بأولاد مبارك تعني أكثر من ذلك بكثير؛ فهي مصدر دخل لعدد كبير من الأسر وسترة نجاة أنقذت شبابا من المنطقة من البطالة.

في الحقول، تنهمك النساء في زراعة الورود التي تمر عبر مراحل. وهناك طريقتان للزراعة، الأولى زراعة الزهرة باستعمال البذور وهي الطريقة التقليدية لزراعة الورود، كما توجد طرق أخرى لزراعة الزهور عن طريق غرس شتيلة في التربة وتطعيمها لاحقا بعد أن يشتد عودها.

أما عندما يصل موسم القطاف فإن النساء يشرعن في العمل مع طلوع الفجر. يقصدن الحقول وقد حملن أثوابا تصون الوردة وتحافظ على وريقاتها.

تغوص النسوة في بحر من الورود، يقطفنه بنعومة كما لو أنهن يلامسن خدود أبنائهن. يتحملن وخز أشواكه، ويدفعن الكلل بالأهازيج تارة وبالقفشات المضحكة تارة أخرى.

وجوههن مغطاة بمناديل لحمايتها من لفحات الشمس الحارقة، وأياديهن عارية، وقد تراكمت عليها جروح قديمة تحكي عن سنوات من العمل بحقول القرية.

منهن العاملات المياومات، ومنهن المزارعات المالكات اللاتي يشتغلن في مشتل العائلة، ومنهن المنخرطات في التعاونيات والجمعيات. وتشكل النساء ما يربو على 70% من اليد العاملة في قطاع الورد.

تحتاج العاملات إلى نحو ست ساعات لملء الحقائب الكبيرة، التي يحملنها بعد الانتهاء فوق رؤوسهن، لكي يتم كيلها، استعدادا لنقلها لمكان آخر حيث سيتم قصها وتغليفها.

وإذا كانت هؤلاء السيدات يتقاضين أجرا زهيدا مقابل عملهم اليومي، فإن الورود تُباع بأثمنة مرتفعة. فمنها ما هو للزينة ومنها ما يستخلص منه زيوت عطرية. ويصل ثمن الكيلوغرام الواحد من زيوت الورد الأساسية إلى قرابة 18 ألف دولار.

سكاي نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *