تقي الدين تاجي
غضبٌ عارم يسود الأحزاب السياسية، التي تستعد للرد على التصريح الأخير لوالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، الذي هاجم من خلاله، الأحزاب المغربية، واصفا إياها بأحزاب الزعتر والباكور، مشيرا إلى “أن المواطنين فقدوا الثقة في السياسيين ومسؤولي المؤسسات العمومية.” كلُّ ذلك على بعد أسابيع قليلة من الاستحقاقات الانتخابية ليوم 8 شتنبر 2021.
تصريح غريب، يصدر عن مسؤول عمومي مغربي، يتولى منصبا حساسا، على رأس مؤسسة مالية مركزية في البلاد، يتحتم عليه، أن يزن كلامه جيدا، وأن يكون واعيا، بالتكلفة الغالية للتصريحات غير المحسوبة، في عالم المال والإقتصاد.
ولعل الجميع شاهد، السنة الماضية، كيف أن تغريدة واحدة نشرها الملياردير الأميركي “إيلون ماسك” عبر حسابه على تويتر، تسببت في هبوط في قيمة أسهم شركة “تيسلا” للسيارات الكهربائية في البورصة، عندما كتب قائلا : “برأيي، سعر سهم تيسلا مرتفع جدا”.
وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي، قد صنف الرجال إلى أربعة أصناف، قائلا “الرجال أربع أنواع، رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك مُسترشد فأرشدوه، ورجل لا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه.”
والحق أن المرء يعجز في أي خانة، سيصنف والي بنك المغرب، فمن ناحية يبدو الرجل على دراية، بأدق تفاصيل الوضع المالي والاقتصادي للبلاد، ويعرف جيدا، معنى مصطلح ومفهوم “حماية الاستثمار”، والمجهودات الجبارة التي تبذلها الدولة، سواء على المستوى التشريعي، أو على مستوى الترويج لإبراز صورة جاذبة للمستثمرين، من أجل اقناعهم بالوثوق في البلاد، واستثمار أموالهم، مع ما يتطلبه ذلك، من مؤسسات قوية، ونظام سياسي صلب.
لكن من جهة أخرى، كيف لمستثمر أجنبي، أمريكي أو صيني أو هندي، المغامرة برؤوس أمواله، وتوطين شركاته، في بلد ما، وهو يسمع المسؤول الأول عن مصرفها المركزي، يصف الأحزاب السياسية، بالباكور والزعتر، ويتهكم على برامجها، جازما بالقول أن “المواطنين جميعهم فقدوا الثقة فيها، لأنها لا تفي بوعودها” . على حد تعبيره.
والواقع أن، لا شيء يمنع الجواهري، من الإدلاء برأيه، من منطلق الحق في حرية الرأي والتعبير، لكن شريطة أن يتنحى عن منصبه قبل ذلك، لأنه حين يتعلق الأمر بموظف عمومي، فإن هذا الأخير يتوجب عليه الخضوع أولا لواجب التحفظ، بما يعنيه ذلك، من احترام توجهات الدولة ومصالحها العليا قبل كل شيء، الى جانب المصلحة العامة طبعا.
وانطلاقا مما سبق يتبيّن، أن والي بنك المغرب، قد زاغ عن واجب التحفظ، ونسي أو ربما تناسى صفته كموظف عمومي، مخولاً لنفسه الحق في التحدث فيما لا يعنيه.
والأخطر من ذلك، أن تعطي تصريحات الجواهري، انطباعا وكأن هناك دولتين داخل دولة، ففي الوقت الذي يدعو فيه الملك “محمد السادس”، بصفته أعلى سلطة في البلاد، الى الرفع من الدعم الموجه للأحزاب، من أجل مواكبتها وتحفيز العمل السياسي وتعزيزها بالكفاءات، يخرج الجواهري، ليضع البيض كله في سلة واحدة، واصفا الأحزاب بـ “الزعتر” و”الباكور”.
والظاهر أن والي بنك المغرب الذي إعتاد، إصدار نشرات ودوريات، أكثر تشاؤما من جميع الفرضيات التي تتوقعها المؤسسات الدولية لتطور الاقتصاد الوطني، لا يعلم أن تصريحه المتهور، لوحده، كفيل بأن يزيد في إغراق الإقتصاد، والدفع به نحو السكتة القلبية.
ولا شك أن الكياسة السياسية (Politiquement correct)، قد خانت الجواهري، وهو المسؤول الذي تقلد عدة مناصب سامية، منذ ستينيات القرن الماضي، بدءً بمسؤولياته في مختلف أقسام بنك المغرب، مرورا بمشاركته في الحكومة لمرتين، الأولى كوزير منتدب مكلف بإصلاح المؤسسات العمومية، والثانية كوزير للمالية، فضلا عن توليه منصب رئيس مدير عام للصندوق المهني المغربي للتقاعد ما بين سنة 2002 و2003. فما هي المنجزات، التي قام بها سيادته طيلة توليه هاته المسؤوليات ؟ بل ليخبرنا فقط، عن الإصلاحات التي قام بها خلال توليه مهمة المدير العام، للصندوق المهني المغربي للتقاعد، الذي تركه على حافة الإفلاس؟
والحال أنه لو كان عبداللطيف الجواهري، قد أفاد المغرب بإنجازاته الفذة والعبقرية، طيلة عقود من تربعه على رأس المسؤولية، لما تفاقم العجز التجاري ليصل أكثر من 222 مليار درهم، إلى حدود منتصف السنة الجارية، ولما أضطر المغرب الى اقتراض ملايير الدولارات من صندوق النقد الدولي، على رأس كل سنة.