*جواد مكرم

 

لاتزال زيارة إسماعيل هنية زعيم حركة حماس، إلى المغرب بدعوة من حزب العدالة والتنمية، تسترعي إهتمام النخبة المغربية بالدراسة والتحليل لأبعادها وخلفياتها، خاصة أن قائد الائتلاف الحكومي في المغرب، لا يمكن أن يقدم على إستضافة الزعيم الحمساوي، دون ضوء أخضر أو تشاور مع القصر الذي يملك مفاتيح السياسة الرسمية للخارجية  المغربية.

لتقريب قراء ومتتبعي جريدة “Le12.ma” عربية، من قراءات وتحليلات النخب المغربية للحدث، نورد في هذه الورقة تدوينات في الموضوع، لكل من المفكر المغربي إدريس الكنبوري، والكاتب السياسي عبد المطلب اعميار والكاتب الصحفي نور الدين اليزيد.

العدالة والتنمية  وإستغلال الزيارة لصالحه

*إدريس الكنبوري

زيارة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية للمغرب، بدعوة من حزب العدالة والتنمية، لا تشكل نشازا من السياسة المغربية تجاه القضية الفلسطينية بالرغم مما حصل مع إسرائيل، ويتماشى مع ما عبر عنه الملك محمد السادس لدى الاعتراف الأمريكي في عهد ترامب بمغربية الصحراء، حول وجود مواقف ثابتة ومتوازنة للمغرب في الموضوع الفلسطيني، لذلك يحاول المغرب التوفيق بين “المصلحة” في علاقاته مع إسرائيل، و”المبدأ” في موقفه من القضية الفلسطينية.

سياسيا سوف يحاول حزب العدالة والتنمية بالطبع استغلال هذه الزيارة لصالحه، وهو الذي تم ترسيم العلاقات الديبلوماسية في ظل الحكومة التي يقودها، لذلك هي مكسب سياسي بالنسبة له.

أما اعتبار الزيارة مبادرة خاصة للحزب فهذا غير سليم لأن الزيارة مرت عبر القنوات الرسمية قبل أن يتلقى الحزب الضوء الأخضر لتوجيه الدعوة إلى الوفد الفلسطينية من حركة حماس.

لكن هل الزيارة إيذان بوساطة مغربية في الملف الفلسطيني؟ هل هي إشارة إلى عقد احتماع للجنة القدس في الأجل القريب؟ كل شيء وارد، لكن المهم أن الزيارة في هذه الظرفية يحتاجها المغرب سياسيا في الداخل وديبلوماسيا في الخارج.

*مفكر مغربي

هل حركة ” حماس”  قامت بزيارة للمملكة المغربية أم لحزب العدالة والتنمية  أم لهما معا؟؟.

*عبد المطلب اعميار

تبدو الإجابة  اليوم مفتاحا لفهم تطورات المرحلة القادمة.

فبعد “توريط ” رئيس الحكومة في توقيع عقد التطبيع مع اسرائيل( لاعتبارات عديدة)، وبعد حجم الخسارة المعنوية التي ألحقت بالبيجيدي بفعل هذا العمل، يبدو أن ترميم الخسائر يبتدأ(طبعا) بالتأشير لزعيم العدالة والتنمية،( والذي هو نفس الشخص الذي وقع عقد التطبيع بصفته رئيسا للحكومة المغربية)، بالتأشير له على ربح مساحات سياسية قد تحتاجها الدولة في أي  مرحلة قادمة…كما يحتاجها حزب رئيس الحكومة عشية الانتخابات…

والمعاملة المتجددة: رابح- رابح.

وبالطبع، فلأن باقي الفرقاء مشغولون(جدا) بالانتخابات،ولأنهم لا يستقبلون في المملكة لا حزبا شيوعيا، ولا اشتراكيا، ولا ليبراليا، ولا اشتراك- ديمقراطيا  ،ولا أخضر، ولا أبيض، فإن الدولة التي ترعى المصالح العليا للبلاد لن تلعب مع ” الصغار” في الأمور الكبيرة…وبالمقابل، فإن زيارة حماس في هذا التوقيت تبدو ورقة رابحة لكل الأطراف..

ولأن اللهجة التي تكلم بها رئيس حكومتنا ليست موضوعا في هذا المقام طالما أن ضيف المغرب وجه رسائل الامتنان للبلد المضيف..وطالما أن ” سعد الدين العثماني” كان سعيدا بما أنجزه نيابة عن الدولة، ونيابة عن الحزب.

*كاتب/سياسي

هنية في المغرب برعاية من  الملك وليس بيجيدي!

*نور الدين اليازيد

الملك  محمد السادس و  ضربة معلم أخرى يوجهها للخصوم وخاصة هذا الـ تبون ونظامه العسكري، الذي ما فتئ يصدع الناس، العرب منهم والعجم، أنه يدعم استقلال الشعوب وتقرير المصير، لكن فقط بـ”الشفوي”.. ما تكتّم عنه حزب بيجيدي فضحه إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ حركةحماس، حركة المقاومة الخارِجة لتوها من حرب ضروس أمام  الاحتلال الصهيوني.. قُتلت فيها أرواح كثيرة وسُفكت فيها دماء ودُمرت فيها بنايات على رؤوس أهلها..

هنية أكد، عكس ما يدعيه أو  بالأحرى يتظاهر به حزب العدالة والتنمية، أو ما يقوم به كتغطية على الزيارة، أن الأخيرة هي برعاية من الملك محمد السادس، وأن جدول أعمالها كما هي نتائجها (أو كهذا معناه) وليس أدل على ذلك مِن أن إلقاء الكلمة واستقبال أمين عام بيجيدي سعدالدين العثماني لضيفه الكبير، كان بمقر رئاسة الحكومة، بشارع الأميرات بحي السويسي الراقي وسط العاصمة.. وليس أدل على ذلك أيضا، من أن كلمة العثماني كانت خجولة ويسودها الارتباك، ولو أنها كانت مكتوبة ومقروءة في ورقة، ما يعني أنها كانت مرسومة المعالم سلفا من قِبل الدولة، بعكس كلمة هنية المرتجلة؛ حيث اكتفى رئيس بيجيدي بكلام بروتوكولي والترحيب بالضيف والتذكير بأن الزيارة كانت مبرمجة قبل ستة أشهر، وفي ذلك إشارة ورسالة إلى من يهمه الأمر (الصهاينة وأمريكا)، بأن الاستقبال لا يجب أن يُؤوّل على أنه احتفاء بـ”انتصار المقاومة”، وهو ما كرسته بعض عبارات العثماني، حين تفادى، بالمرة، الإشارة إلى الحرب الأخيرة للاحتلال ضد غزة، واكتفى بتوصيف “الانتهاكات الإسرائيلية” التي كررها أكثر من مرة..

وما سكته عنه، أو لم يُسمح له بالحديث عنه، بالنسبة للعثماني، أُعطي الضوء الأخضر بشأنه لزعيم حركة  حماس، الذي طفق يتحدث بطلاقة لسان كما لو أنه في غزة، عن الحرب، وعن الانتصار، وعن تضامن الشعب المغربي والشعوب العربية والإسلامية، بل وحتى عن الوعيد والتهديد باستمرار المقاومة وردع الاحتلال !

النتيجة أو الخلاصة، هي أن النظام المغربي يكسب اليوم ورقة أو نقاطا مهمة ضد المشككين في دوره في القضية الفلسطينية، وهي الرسالة التي رد عليها زعيم حماس، بتذكيره بأن البعد الجغرافي للمملكة لم يمنع من أنها، مع ذلك، تبقى في قلب القضية الفلسطينية، وكادت لسان هنية أن تزل وتُغضب باقي العرب، لولا تداركه الأمر، والتعقيب بقوله “شأن المملكة في ذلك شأن باقي الشعوب العربية والإسلامية” !!.

إذن بالنسبة للمنشورات البراقة والمصقولة بعناية، التي أغرق بها حزب بيجيدي وأنصاره مواقع التواصل الاجتماعي، ليوهموا الرأي العام، بأن إخوان العثماني مستأسدون ومناصرون شرسون للقضية الفلسطينية، أملا وطمعا في كسب بعض أصوات المغاربة المتعاطفين مع الفلسطينيين، تصبح منشورات دعائية ساذجة، بل ومزيفة ولا تعكس الحقيقة، خاصة عندما يتأكد لنا أن الزيارة تشمل أحزابا وهيئات أخرى..

فالقضية لا تفتأ تكون مجرد دور مناولة قام به بيجيدي، وبإيعاز من القصر، لاشتراك هذا الحزب وتقاسمه المرجعية الإسلامية نفسها مع حماس، وليكون الإخراج السياسي/المسرحي لائقا ومفيدا للمرحلة..

وأمّا إن كان هناك مِن منتصر ومستفيد فهو حماس، على الأقل من باب تكسير الطوق والحصار المفروض عليها، والنظام المغربي أيضا الذي خُدشت صورته، بشكل كبير، بعد توقيع اتفاق التطبيع مع  كيان الاحتلال في ديسمبر الماضي، وهو ما جعل كثيرًا من الناقمين والكارهين لترؤس الملك لجنة القدس، يطالبون عبثًا بسحب هذه الرئاسة من محمد السادس .

*كاتب /صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *