عمر عاشي

لم يسبق لصندوق النقد الدولي، منذ إنشائه في عام 1944 في أعقاب مؤتمر بريتون وودز، أن اضطلع بدور حاسم في استقرار الاقتصاد العالمي مثل ما هو عليه الحال في هذه الفترة من أزمة كوفيد-19. ولكن مع المساهمة المتنامية في الانتعاش المأمول، وجدت المؤسسة نفسها مجبرة أكثر من أي وقت مضى على تكييف مهمتها مع واقع اقتصاد في حالة تحول كامل في ظل رهانات رئيسية مثل تغير المناخ والتحول الرقمي.

ووفقا لرئيسة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، فإن الوباء “قلب نظامنا الاجتماعي والاقتصادي رأسا على عقب بسرعة خاطفة وبنسب لم يسبق لها مثيل في الذاكرة الحية”.

ومنذ بداية الأزمة، ألقى صندوق النقد الدولي إلى جانب البنك الدولي، بكل ثقلهما في المعركة.

وقد تعبأ صندوق النقد الدولي، الذي يركز أداؤه على القضايا الماكروقتصادية، من أجل تقديم المشورة والمساعدة التقنية والموارد المالية للعديد من دوله الأعضاء البالغ عددها 189 دولة. وتبلغ قدرة المؤسسة على الإقراض 1000 مليار دولار.

وقالت جورجيفا في أبريل الماضي: “نحن نستجيب لطلبات التمويل الطارئ التي تلقيناها حتى الآن من أكثر من 90 دولة عضوا، وهو رقم قياسي. وقد وافق مجلس إدارتنا للتو على مضاعفة الوصول إلى آليات الطوارئ الخاصة بنا. وهو ما سيسمح لنا بتلبية طلبات المساعدة المالية المقدرة بحوالي 100 مليار دولار. لقد تمت الموافقة على برامج القروض بسرعة قياسية”.

وفي مواجهة أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة ذات عواقب اجتماعية وخيمة، يتواصل الطلب على خطوط الائتمان في النمو لتمويل الانتعاش.

وبالنسبة للبلدان الإفريقية على وجه الخصوص، يشتكي القادة والمنظمات غير الحكومية من الشروط التقييدية المرتبطة بهذه البرامج والقروض بينما تعمل خدمة الدين على إجهاد الموارد المالية للبلدان منخفضة الدخل، في غياب وقف مؤقت للديون من طرف الدائنين على المستوى الثنائي.

وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي “نحن نعيد فحص مجموعة الأدوات الخاصة بنا لتحديد أفضل طريقة لاستخدام خطوط الائتمان الاحترازية لتعزيز دعم السيولة، وإنشاء خط سيولة قصير الأجل وتلبية احتياجات التمويل للبلدان من خلال وسائل أخرى، بما في ذلك استخدام السحب الخاص”.

وتابعت أنه بالنسبة للدول التي لا يمكن منح قروض لها لأن “مديونيتها غير مستدامة، نحن نبحث عن حلول لإطلاق الموارد اللازمة لذلك”.

ويتجه صندوق النقد الدولي لزيادة صندوقه الائتماني إلى 1.4 مليار دولار، بهدف تمديد فترة تخفيف الديون.

وقد أدى الوباء في واقع الأمر إلى اضطراب عميق في النشاط الاقتصادي. وبذلك امتدت مهمة مؤسسة بريتون وودز لتغطي بعدا أكبر لأنها تتكيف مع المشهد المتغير.

وسيواصل إجراء فحص منتظم لوضع اقتصادات البلدان الأعضاء في الصندوق، وهو إجراء تشاوري بموجب المادة 4، التركيز على أسعار الصرف وعلى المسائل المتعلقة بالميزانية، النقدية والمالية، التي توجد في قلب أنشطة صندوق النقد الدولي؛ حسب ما تضمنه تحليل أجراه قسم الاستراتيجية والسياسات والتقييم في الصندوق.

وقالت إنه “في المستقبل، سنأخذ في الاعتبار بشكل منهجي القضايا التي لها تأثير ماكروقتصادي كبير، مثل تغير المناخ والتكنولوجيا الرقمية، من أجل الوفاء بشكل أفضل بمهمة المراقبة الخاص بنا”.

وقد سلطت جائحة كوفيد-19، التي وصفت بأنها “منعطف حاسم”، الضوء على المخاطر الجديدة والآثار غير المباشرة، وأثارت شكوكا كبيرة بشأن التعافي.                  

ووفقا لصندوق النقد الدولي، فقد “أصبح العالم أكثر ارتباطا بعضه ببعض، والتطورات في الرقمنة والتفاوتات تتسارع، وأصبح التصدي لتغير المناخ الآن أولوية قصوى”.

وبالنسبة للتحديات التي يواجهها القادة للخروج من الأزمة وتمويل التعافي الشامل، فإن الرهان الذي يواجه المؤسسة المالية الدولية هو تحديث نظام المراقبة الخاص بها وتطوير مشاوراتها، سواء من حيث محتواها أو الطريقة التي تدير بها علاقاتهاذ مع الدول الأعضاء.

وقد وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مؤخرا على توجه جديد في هذا الصدد؛ ويحدد أربع أولويات: مواجهة المخاطر وحالة عدم اليقين؛ وتجنب وتخفيف الآثار غير المباشرة على الاقتصاد العالمي المترابط؛ وتعزيز الجدوى الاقتصادية على المدى الطويل؛ ومراعاة خصوصيات كل دولة.

وبالنسبة إلى معدي التحليل، “ستستمر المشاورات (مع الدول) برسم المادة الرابعة بهدف إجراء تقييم شامل، وستغطي التدابير الموازناتية والنقدية والخارجية والمالية والهيكلية”.

لكن النصائح ستكون “أكثر دقة وأكثر ملاءمة لكل بلد”، بما في ذلك القضايا المستجدة والعاجلة، مثل كيفية الحد من الأعطاب الاقتصادية أو تقديم دعم دقيق للمقاولات.

ولفترة طويلة من الزمن، كانت الانتقادات تجاه هذه المؤسسات المالية تنصب على المعرفة المحدودة بالثقافة والواقع السياسي والاجتماعي للبلدان في طريق النمو.

وإدراكا منه لضرورة “التغيير التدريجي” نظرا لتقلب الأحداث بشكل كبير واحتمال وقوع صدمات غير متوقعة، أعلن صندوق النقد الدولي أن “الاستعداد للتكيف والتجربة وتغيير طريقة عمله هو حجر الزاوية الذي يعتمد عليه في تزويد البلدان الأعضاء داخله بنصائح تجمع بين الفعالية والمرونة”.

وعلى الرغم من أن دعم المؤسسات المالية ضروري للتعافي ما بعد الجائحة، إلا أنه لا يمكن أن يكون فعالا إلا من خلال إكمال برامج الإصلاح والتنمية التي انطلقت محليا. ويبقى النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه المغرب أبرز مثال على ذلك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *