جاء في التقرير الذي وضعته لجنة صياغة النموذج التنموي الجديد، بين يدي الملك، أن المغرب يتطلع في أفق سنة 2035، إلى تحقيق مجموعة من المؤشرات الإقتصادية، من ضمنها القفز بالناتج الداخلي الخام للفرد (بالدولار على أساس المعادل للقوة الشرائية)، على فرضية نسبة نمو سنوية متوسطة تفوق 6%، من 7.826 دولار سنة 2019، إلى 16 ألف دولار؛ بالإضافة إلى رفع مؤشر المشاركة في سلاسل القيمة العالمية من 43% إلى 60%.

واعتبر التقرير أن الاقتصاد الوطني، ليس مفتوحـا ومحـررا بالقـدر الكافـي، ويفيـد مصالـح اقتصاديـة قائمـة ويحمي حـالات الريـع، إضافة إلى أن نظـام التحفيـزات العمومـي يسـهم فـي جعـل الفاعليـن الاقتصادييـن يفضلـون الأنشـطة الريعيـة والمحميـة.

وللتطرق الى بعض الجوانب الاقتصادية، التي حملها التقرير، اتصلت “le12.ma” عربية بالخبير الاقتصادي، “إدريس الفينا”. ضمن فقرة 3 أسئلة :

حاوره – تقي الدين تاجي

ما هي قرائتكم ، للمؤشرات الاقتصادية، التي يطمح النموذج التنموي الجديد، الى بلوغها ومن ضمنها تحديد لجنة صياغته، سنة 2035 كسقف من اجل رفع الناتج الداخلي الخام للفرد الى 16 ألف دولار ؟

هذا الطموح باعتقادي أقل مما يسعى اليه المغرب، ويمكن أن نتجاوزه، إذا ما ذهبا بسرعة أفضل، من خلال تسطير نموذج تنموي، أكثر عقلانية، يفضي بنا الى بلوغ ناتج للفرد أكبر من ذاك الذي حدده تقرير اللجنة المكلفة بصياغة النموذج التنموي.وذلك بالنظر الى امتلاك المغرب، لواجهة بحرية غير مستغلة، والتي يمكن استغلالها مثلا، من خلال الاستثمار في مجال تربية الأحياء، بما يتيح للمغرب الرفع من ناتجه الداخلي الخام، بنسبة 30 الى 35%. وكذا من خلال اقتحام صناعات جديدة، والتي بالمناسبة، أغفل التقرير التطرق اليها، فضلا عن الاستثمار في الطاقات البديلة. كل هذا الى جانب جلب الاستثمارات الاجنبية، والتي يحظى فالمغرب اليوم بـ 3 مليارات دولار منها، ويمكن الرفع من ذلك لكي يصل الى 20 مليار، وهذه كلها أشياء لم يسلط عليها التقرير الضوء، بشكل كافي.

من جهة أخرى، فإن توقع، رفع الدخل الفردي من 7820 دولار سنويا، الى 16 ألف دولار في أفق 2035، يعني أن علينا الإنتظار مدة 16سنة، لنبلغ دخلا فرديا يقل عن الدخال الفردي لتركيا حاليا، والبالغ 27 ألف دولار، أو الناتج الداخلي الخام للفرد بتايلاند، الذي يبلغ 15 ألف دولار.

ثم إن التقرير المذكور، أغفل التطرق لمسألة البطالة، ولم يُجب عن سؤال النسبة التي نريد بلوغها، هل 2% أم 5% أم 10%. سيما وأن الرأسمال البشري، يعتبر عاملا أساسيا في خلق الثروة.

هل برأيك، المغرب قادر من خلال تفعيل النموذج التنموي الجديد، على الانتقال من اقتصاد يرتبط معدل نموه بالتساقطات المطرية، الى اقتصاد يعتمد على التصدير، وتنويع مصادر دخله ؟

الإقتصاد لازال في جزء كبير منه، مرتبط بالتساقطات المطرية، خاصة ما يتعلق منه بقطاع الفلاحة وباقي القطاعات الإخرى المرتبطة به، وهناك معضلة أخرى أيضا لم يتطرق إليها التقرير، ألا وهيا التحول الديمغرافي الذي يتجه إليه المغرب، وتزايد نسبة الشيخوخة، بسبب تراجع معدل الخصوبة، وهناك أيضا ثقل ديمغرافي على مستوى البادية، وهي كلها عناصر تثقل كاهل الاقتصاد المغربي.

وما يعاب على التقرير، أنه جاء بتوجيهات عامة، وغاب فيه العمق في التحليل، في وقت كان يتوجب على مُعدّيه، تضمينه توجهات استراتيجية.

توقعتْ مؤشرات لجنة النموذج التنموي بلوغ نسبة 50%، فيما يخص القيمة المضافة الصناعية للتكنولوجيا المتوسطة أو العالية، وذلك عوض نسبة 28 بالمئة الحالية ..هل تعتقد في ضوء المعطيات الحالية، أن المغرب قادر على بلوغ هاته النسبة ؟

عدد من المؤشرات المضمنة في التقرير، لا تستند على قاعدة فكرية أو علمية صحيحة، تسمح ببلوغ هاته الأرقام النسب، وبالتالي فهي تبقى مجرد كلام، ويمكن بالتالي لأي كان، أن يكتب الرقم الذي يريد، طالما أن ذلك لا يستند الى معايير علمية دقيقة.

وأسُوق هنا كمثال، إشكالية غياب العلماء والمهندسين في المغرب، والذين يعتبرون المحرك الاساسي لجر قاطرة التنمية، لكن للأسف التقرير لم يتحدث عن هاته العناصر، ولا عن نقل التكنولوجيا، وهي كلها عناصر، تشكل العمود الفقري للتنمية.

التقرير تحول الى مجرد تجميع لدفاتر مطلبية متعددة وبعضها غير منسجم مع البعض الآخر، وغارق في العموميات، بأفكار نجدها في تقارير وأوراق متعددة سابقة. كما أن المسؤوليات بقيت مبهمة ولم يتم تحديد دقيق لمكامن الخلل، فعندما نقدم تقريرا، نلزم الأمة بتنفيذه، يجب أن نكون متأكدين من وصولنا الى المبتغى.

*خبير اقتصادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *