le12.ma

في بدايتها، كان وراء احتجاجات “السترات الصفراء” في فرنسا دافع واحد، يتمثل في معارضة الضريبة على الوقود.. لكنّ المظاهرات توسعت وازدادت عنفا بمرور الأيام. وارتفع أيضا “سقف” المطالب، لتصل إلى مطالبة الرئيس الفرنسي بالتنحي عن المنصب.

لاحقا، بدأنا نسمع عن احتجاجات أخرى، ولأسباب مختلفة في مدن ودول أوربية متعددة، شملت هولندا وبلجيكا والنمسا وصربيا وهنغاريا.

ورغم أن هذه الاحتجاجات المختلفة امتدّت لتشمل العديد من مدن أوربا فإن أمرين يجمعان بينها، الأول أصبح رمزا لكل هذه الاحتجاجات والتظاهرات، وهو “السترات الصفراء”، أما الثاني فهو أنها بدأت واستمرت دون زعامات أو قيادات تنظيمية، وانتشرت عبر التواصل بواسطة منصات التواصل الاجتماعي.

في مهدها، فرنسا، بدأت في إطار حركة شعبية تعرف باسم “السترات الصفراء” بدأت كرد فعل على قرار الرئيس إيمانويل ماكرون زيادة الضرائب على الوقود. وبدأت هذه الاحتجاجات والمظاهرات “خجولة” في ماي الماضي، لكنها زادت قوة وحدة في 17 نونبر، قبل أن تنتقل إلى مدن بلجيكية وهولندية.

وقد اختارت الحركة “السترة الصفراء” نظرا لأن القانون الفرنسي يفرض، منذ 2008، على جميع سائقي السيارات ارتداء سترات صفراء داخل سياراتهم عند القيادة كإجراء وقائيّ، حتى يظهر للعيان في حالة اضطرار السائق إلى الخروج من السيارة لسبب ما والانتظار على قارعة الطريق.

في بداية دجنبر الجاري، امتدّت “عدوى” السترات الصفراء إلى بروكسيل، حيث اتسمت المظاهرات بالعنف من قبَل المتظاهرين، الذين استخدموا الحجارة، بينما ردت الشرطة باستخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع مع اعتقال العشرات من المحتجّين.

موازاة مع ذلك، انتقلت الاحتجاجات إلى هولندا، وارتدى المتظاهرون “السترات الصفراء” ونزلوا إلى الشّوارع، احتجاجا على الأوضاع المعيشة في البلاد.

ولم تتأخّر العدوى في بلوغ صربيا التي اندلعت فيها احتجاجات مماثلة، شارك فيها محتجون ارتدوا، بدورهم، “سترات صفراء”.

وفي ألمانيا خرجت تظاهرات لليمين المتطرف رفضا لسياسة الهجرة، وكان بعض المتظاهرين يرتدون “سترات صفراء”، مع اختلاف هنا هو أن الاحتجاجات لم تكن لأسباب معيشية، كما هو الحال في الدول الأخرى.

من يقف خلف “الصفر”؟
هكذا يبدو أن احتجاجات ومظاهرات “السترات الصفراء” امتدت إلى عدد من الدول الأوربية لأسباب ودوافع مختلفة، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو “من يدير الاستعراض؟” يتضح من متابعة طبيعة احتجاجات السترات الصفراء وهيكلتها في الدول الأوروية أنها تفتقر إلى هيكل واضح المعالم. كما تفتقر إلى “إلى القيادة” التي يمكنها توجيه الاحتجاجات وتنظيمها والتفاوض باسمها.

ورغم من أن حركة “السترات الصفراء” الفرنسية اختارت ممثلين عنها، فإن هؤلاء يمكن أن يفاوضوا باسمها لكنهم لا يستطيعون وقيادة الحركة وتنظيمها وتوجيهها.

ويتّضح أيضا أنْ ليس لكل المشاركين في هذه الاحتجاجات هدف واحد، إذ إنهم من شتى المشارب والولاءات ومن شتى درجات الطيف السياسي، فهم لا ينتمون إلى حزب معين أو نقابة بعينها، وبالتالي فإن هذه الحركات والاحتجاجات من دون مطالب واضحة، رغم كثرتها. ونظرا إلى غياب قيادة موحدة، فإنه لا يمكن توحيد المطالب وجمعها في قائمة موحدة للتفاوض حولها.

في المقابل، تحاول الحركة “الشعبوية” المتنامية في أوربا الهيمنة على احتجاجات السترات الصفراء أو “ركوب الموجة” في بعض الدول، كما حدث في واحدة من الاحتجاجات في لندن، ومثلما حدث مع بيغيدا الألمانية وفي إيطاليا، بعدما تظاهر أشخاص ضد المهاجرين، بينما نُظمت في بلجيكا احتجاجات ضد المهاجرين.

هكذا يتجلى أن من بين القواسم المشترَكة في كل التظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها بعض الدول الأوربية أنها جاءت كلها منظمة ومدفوعة بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، لكنْ من دون قيادة واضحة المعالم، ولا مطالب محددة.

وعموما، فإن السبب الرئيسي لاحتجاجات “السترات الصفراء” في أوربا هو الاقتصاد والمصاعب المعيشية التي يعاني منها الكثيرون في القارة. ولا شك في أن أزمة الكساد الاقتصادي عام 2008 أدت -وإن تعدّدت الطرق- إلى زيادة ثراء الأغنياء و”تآكل” الطبقة الوسطى وزيادة فقر الفقراء، فانعدمت المساواة ودفع المواطن العادي ثمن الأزمة، بينما يتمتع الأثرياء بمزايا ضريبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *