أعدها للنشر: المصطفى الحروشي

 

“رجاء لا تطلب مني أن أصمت”.. “اسمح لي بأن أتنفس”… بمثل هذه العبارات يخاطب “اللاجئ” مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القائد السابق لما يسمى بجهاز الشرطة لدى ملشيات جبهة “البوريساريو” من يطالبونه الكف عن خط حكايات بخط اليد حول أهوال الجحيم، هناك في مخيمات الحديد والنار والقمع والحصار في تندوف فوق التراب الجزائري.

جريدة “le12.ma” تنشر طوال الشهر الفضيل حلقات سيرة ذاتية بطلها إنسان بعنوان “الخروج من فم الثعبان” يروي أسرار تفاصيلها مع عاش تفاصيلها.

*لا تطلبوا مني أن أصمت  

في شبابه خاض والدي تجربة جيش التحرير، خمسينيات القرن الماضي. شارك في أغلب معاركها العسكرية من شمال الصحراء الى شمال موريتانيا، اصيب فيها بجروح بليغة على مستوى الرجل. و عاش نهايات جيش التحرير و الصراعات السياسية التي رافقت تفكيكه سنة 1958. و كان من ضمن وفد الرقيبات الذي التقى السلطان محمد الخامس كما كان الصحراويين يلقبونه.

و لما بدات البوليساريو النشاط في الاقليم سنة 1974، و عرضت مشروعها على السكان، لم يكن من المتحمسين لاطروحتها، شأنه شأن غالبية شيوخ القبائل الصحراوية الذين عاصروا تجربة جيش التحرير، و لا يريدون الدخول في مغامرة جديدة تدار من خارج حدود الإقليم.

كنا في تلك الفترة ننتجع البوادي الشرقية التي ينشط بها ثوار الجبهة. و كان الوالد قد أجرى لقاء مع بعض قادتهم في بادية “امهيريز” أعلمهم فيه بموقفه أنه ليس مع مشروع الجبهة وليس ضد من يجاهد ضد النصارى. 

كانت العشيرة مقسمة بين تجمعين واحد في “ربيب لمغادر” والآخر في “تازوا”. و كان العديد من شبابها قد انخرط في صفوف الجبهة، دون أن يغير ذلك من العلاقات بين أفرادها.

في احدى ليالي خريف 1975 جاءه أحد أبناء لبصير باسم الجبهة و اخبر الوالد أن الجيش المغربي يستعد لدخول الاقليم و أن إسبانيا قد تغادر في أي وقت و سلمه 40 قطعة سلاح ليدافعوا عن أنفسهم في حالة تعرض العشيرة للاعتداء من طرف القوات المغربية.

 بعد رحيل ولد لبصير طلب الوالد من المهدي ولد محمد الشيخ و كان احد شبان القبيلة الموثوقين، أن يحفر حفرة خارج المخيم و يقبر ذلك السلاح دون أن يراه أحد.

بعد ذلك بليال ذهب الوالد الى شطر العشيرة في “تازوا” و وجد ان عناصر من الجبهة مروا بهم قبل مجيئه اخذوا راعي غنمنا (عبد الله) عنوة بحجة أنه مغربي من الشمال الذين اصبحوا اعداء. و أخذوا معهم حمار الغنم أيضا. و كانت الغنم حينها تحت رعاية خطري ولد محمد مولود (دداه). 

بعد عودة الوالد من “تازوا” مر بمخيمنا أحد أبناء المبارك و اخبر الوالد أن الجيش المغربي دخل مدينة السمارة. 

لما علم الأهالي بخبر دخول الجيش المغربي مدينة السمارة القريبة منهم دب فيهم الذعر. وكانت الشائعات كثيرة عن بطش الجيش المغربي.

لتهدئتهم اجتمع الوالد برجال العشيرة و قال انه سيذهب في الصباح الى المدينة، ليعرف من هؤلاء الحاكمين الجدد، و إذا لم يعد لهم في اليوم الموالي فإن ما يسمعونه عنهم صحيح و عليهم أن يهربوا.

فجر اليوم الموالي ذهب قاطعا مسافة 30 كلم الى المدينة التي وصلها زوالا، و وجدها مدينة أشباح، لم يبق فيها غير 12 شخصا، عرف منهم بمقر تمركز القوة العسكرية.

ذهب الى المجمع السكني المسمى ” لقبيبات” حيث وجد بعض الجنود و سألهم عن القائد. فهرع احدهم الى احد البيوت و عاد مسرعا ليخبره أن القائد يطلبه.

دخل الوالد و علامات السفر والإرهاق بادية عليه، على ضابط يحيط به مجموعة من المرؤوسين حسب ما يبدو من سلوكهم.

بادر الضابط بسؤاله عن حاجته، فأخبره انه احد شيوخ القبائل الصحراوية و ان  معه العديد من الاسر في منطقة “ربيب لمغادر”،  و يريد شاحنات لاخذهم الى مكان آمن قريب من المدينة. 

سأل أحد الحاضرين: كيف نأمن هذا الشخص و هو قادم من مكان تنشط فيه البوليساريو؟. فرد عليه الضابط ان حال هذا الشخص يغني عن سؤاله، و سنذهب معه لنقل العوائل و قد قطع أزيد من ثلاثين كيلومترا ليصل إلينا، وليحصل ما يحصل.

في الصباح الباكر ركب الوالد مع الضابط في سيارة جيب صغيرة و رافقتهم قوة عسكرية و عدد من الشاحنات. و قريبا من تجمع العشيرة توقفوا على عمي نصري ولد سيدي مولود يسوق قطيعا من الغنم لوحده، و سأله الوالد عن عائلته، فقال له ان ابنه البكر “شيخة” أخذهم ليلة البارحة الى الجبهة و لم يتبق غيره. فقال الضابط للوالد خير أخاك اذا كان يريد الذهاب معكم نترك احدى الشاحنات تحمله هو غنمه.

لما شارفت القوة العسكرية على مخيم العشيرة أمر الضابط القوة العسكرية بحراسة المناطق المحيطة، و تقدم بالشاحنات نحو الخيم، وتم نقل الجميع في ذلك اليوم الى “لكوييز” على مقربة من السمارة.

وفي اليوم الموالي ذهبت الشاحنات الى المخيم الثاني في “تازوا” و احضروهم جميعا ما عدا عائلة “ألمين ولد أبعية ( النيه )، فقد وجدوا أن جميع رجالهم ذهبوا الى البوليساريو، و لم يبق غير النساء و الاطفال فتركوهم ليلتحقوا برجالهم في الجبهة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *